التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب الطلاق في الإغلاق

          ░11▒ بَابُ الطَّلَاقِ فِي الإِغْلَاقِ.
          هو بغين معجمة الإكراه، لأنَّ المكره مغلق عليه في أمره، وقال بعضهم: كأنَّه يغلق عليه الباب ويضيق عليه حتى يطلق، وقيل الإغلاق الغصب، وقيل: معناه النهي عن إيقاع الطلاق الثلاث كله بمرة، وهو نهي عن فعله وليس بنفي لحكمه إذا وقع، لكن ليطلق للسنة كما أُمِرَ.
          قوله: (والسَّكْرَانِ) هو عطف على الطلاق لا على الإغلاق.
          قوله: (والنِّسْيَانِ فِي الطَّلاَقِ) اختلفوا فيمن علَّق طلاق امرأته أو عتق عبده على فعل من أفعاله ففعله ناسيًا، والمرجَّح عند الشافعية عدم الوقوع وعدم العتق، ووقع في رواية عن الأصيلي <والنسيان في الطلاق والشرك> وعن غيره (والشَّكِّ) هو أليق (1).
          قوله: (وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ إِقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ) قال الكِرْمَاني: هو بفتح الواو وكسرها من وسوست إليه نفسه، والوسوسة حديث النفس، وقال القاضي: يُقَالُ رجل موَسوِس بكسر الواو لا غير.
          قوله: (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بالزنا: أَبِكَ جُنُونٌ) هو الرجل الأسلمي واسمه ماعز، وقيل ماعز لقب واسمه عريب.
          قوله: (وَقَالَ عَلِيٌّ: بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ) سار على التثنية الواحدة، شارف _بكسر الراء_ وهي المسنة من النُّوق.
          قوله: (فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ) بفتح المثلَّثة وكسر الميم، أي: قد أخذ فيه الشراب.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ) أي: ليس بواقع إذ لا عقل للأول ولا اختيار للثاني، وقال الشافعي: يقع طلاق السكران تغليظًا عليه وذلك إذا كان متعدِّيًا بالشرب، وإلا لم يقع طلاقه إن كان مغلوبًا كالمجنون. وما سبق إن طلق السكران بصريح، فإن طلق بكناية، قال الفقيه أبو العباس ابن الرفعة: لم يقع طلاقه لأنه لا نية له، وقد أشرت إلى هذه الصورة فيما تقدَّم، وأثر ابن عباس هذا أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن هشيم عن عبد الله بن طلحة الخزاعي عن أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس: ليس لسكران ولا لمضطر طلاق. يعني المغلوب المقهور، / قال أبو نصر: يُقَالُ فلان ظهره لكل أحد، أي: لكلِّ من شاء أن يقهره فعل.
          قوله: (وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ) هو الجهني الصحابي الشريف المقرئ الفرضي الفصيح، وكان هو البريد إلى عمر ☺ بفتح دمشق، ووصل المدينة في سبعة أيام ورجع منها إلى الشام في يومين ونصف بدعائه عند قبر رسول الله صلعم بذلك.
          قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا بَدَا بِالطَّلَاقِ فَلَهُ شَرْطُه) أي: فله أن يشترط ويعلق طلاقها على شرط، يعني ولا يشترط أن يكون الشرط مقدَّمًا على الطلاق، بل يصح أن يُقَالُ أنت طالق إن دخلت الدار كما في العكس.
          قوله: (وَقَالَ نَافِعٌ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ) هو نصب على المصدر، قال النحاة: قطع همزة (أَلْبَتَّةَ) بمعزل عن القياس. وأثر نافع أخرج (2) معناه ابن أبي شيبة عن عبدة عن عبيد الله عن نافع.
          قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) أي: النَّخَعي (إِنْ قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ، نِيَّتُهُ) يعني هو كناية، يعتبر قصده فإن كان قد نوى الطلاق وقع وإلا فلا، وهذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن إسماعيل عنه، وقال مكحول وقتادة فيه: ليس بشيء، وقال الحكم وحماد: إن نوى طلاقًا فواحدة وهو أحق بها، وقال الحسن: هو تطليقة إن نواه.
          قوله: (وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا قَالَ، إِذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَغْشَاهَا) أي: يجامعها في طهر مرة لا مرتين لاحتمال أنها حبلت من الجماع الأول فطلقت به (فَإِنِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا) أي: ظهر واتَّضح فقد بانت منه.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الطَّلَاقُ عَنْ وَطْءٍ، والعَتَاقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ الله تَعَالَى) فهو مطلوب دائمًا.
          قوله: (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنْ قَالَ: مَا أَنْتِ امْرَأَتِي نِيَّتُهُ، وإنْ نَوَى طَلاَقًا فَهُوَ مَا نَوَى) هذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن عبد الأعلى عن معمر عنه، وذكر أيضًا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وابن المسيَّب وأبي الشعثاء وقتادة، وقال ابن جبير والحسن وعطاء: ليس بشيء.
          قوله: (وَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَمْ تَعْلَمِ أَنَّ القَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ) أي: حتَّى يبلغ، وقول علي ☺ أخرجه أصحاب «السنن الأربعة» مرفوعًا، وحسَّنه الترمذي وقال: غريب من هذا الوجه، وصحَّحه ابن حبَّان والحاكم وزاد على شرط الشيخين، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة مرفوعًا أيضًا، وصحَّحه ابن حبان والحاكم وزاد على شرط مسلم، وقال ابن المنذري: إنه ثابت. وأثر قتادة كما إذا قال: (إِذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ..) إلى آخره أخرجه / ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن سعيد عنه، وحكاه أيضًا عن ابن سيرين والحسن، وهو قول الثوري والكوفيين والشافعي.
          قوله: (وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ (3) بِشَيْءٍ) أخرجه ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن ابن أبي عروبة عنه، ورواه عبد الرزاق عن معمر عنه، وهو قول الشافعي وابن سيرين والحسن وابن جبير وجابر بن زيد وعطاء والظاهرية، وكلهم تمسكوا بحديث: ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَتَكَلَّم)).
          قوله: (وَقَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ) أي: وهو الناقص العقل فإن طلاقه غير جائز، أي: غير واقع.


[1] كذا هي في الأصل، ولعل الصواب:((وهو أليق)).
[2] في الأصل:((أخرجه)) ولعل المثبت هو الصواب.
[3] في الأصل:((وليس)) والمثبت هو الصواب.