التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إنكم ملاقو الله حفاةً عراةً مشاةً غرلًا

          6524- قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ): هو عليُّ بن عبد الله ابن المَدينيِّ، الحافظ المشهور، و(سُفْيَانُ) بعدَه: هو ابنُ عُيَيْنَةَ، و(عَمْرٌو) بعدَه: هو ابنُ دِينارٍ المَكِّيُّ.
          قوله: (مُلَاقُو اللهِ): (الاسم الجليل): مجرورٌ على الإضافة، وهذا ظاهِرٌ، ويجوز من حيث العربيَّةُ على قِلَّةٍ نصبُه، وشاهدُه: ▬وَالمُقِيمِي الصَّلَاةَ↨؛ بنصب ▬الصَّلَاةَ↨ قراءة شاذَّة.
          قوله: (غُرْلًا): تَقَدَّمَ الكلامُ عليه مُطَوَّلًا، والحكمةُ في ذلك من عند ابن عَقِيل الحنبليِّ [خ¦3349].
          قوله: (قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا مِمَّا نَعُدُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلعم): أمَّا (سفيان)؛ فقد قَدَّمْتُ أنَّه ابن عُيَيْنَة، وأمَّا (نَعُدُّ)؛ فهو بفتح النون، وضمِّ العين، وتشديد الدال المُهْمَلة، من العَدَد.
          واعلم أنَّ ابن عَبَّاس عبدَ الله من السِّتَّة المكثرين، أو السبعة، وهو كثيرُ الرواية عن الصَّحَابة، قليلُ السماع من النَّبيِّ صلعم، حتَّى قال الإمام أبو حامد الغزاليُّ في «المستصفى»: (إنَّ ابن عَبَّاس مع كثرة روايته لم يسمع من النَّبيِّ صلعم إلَّا أربعةَ أحاديثَ؛ لصِغَر سِنِّه، وصرَّح بذلك في حديث الرِّبا في النسيئة، وقال: «حدَّثني به أسامة بن زيد [خ¦2178]، وروى _يعني: ابن عَبَّاس_ أنَّ رسولَ الله صلعم لم يزل يُلبِّي حتَّى رمى جمرةَ العقبة، فلمَّا رُوجِعَ؛ قال: حدَّثني به أخي الفضلُ بن عَبَّاس [خ¦1544])، انتهى.
          قال بعض مشايخي: والذي حكاه غيرُه _يعني: غير الغزاليِّ_: أنَّ له تسعةَ أحاديثَ أو عشرة.
          قال شيخُنا الشارح: (قال أبو جعفر مُحَمَّد بن الحسن البغداديُّ في كتابه: وقد سألتُ أبا داودَ قلتُ: ما سمعتَ من يحيى بن معين يقولُ في روايةِ ابنِ عَبَّاسٍ عن رسولِ الله صلعم؟ قال: سمعتُه يقولُ: روى ابنُ عَبَّاس عن رسول الله صلعم تسعةَ أحاديثَ، قال: وذُكِر عنه أنَّه قال: «قُبِض رسول الله صلعم وأنا ختين ابن أربعَ عشرةَ سنةً، فكان الناس يعزُّونني»، قال: وسمعت مُحَمَّد بن نصر يقول: سألتُ غُنْدَُرًا قلتُ: كم روى ابنُ عَبَّاس عنِ النَّبيِّ صلعم سماعًا؟ قال: عشرة أحاديثَ، قال مُحَمَّد بن نصر: ناظرتُ يحيى بن سعيد القَطَّان _انتهى، وأين يحيى القَطَّان، وأين مُحَمَّد بن نصر؟! ولعلَّه سقط منه واحدٌ، وذلك لأنَّ يحيى بن سعيد تُوُفِّيَ سنة ثمانٍ وتسعين ومئة في صفر، ومُحَمَّد بن نصر وُلِد سنة اثنتين ومئتين، والله أعلم، وقد كتب بعض حُفَّاظ العَصْرِ على هذا الكلام ما لفظه: مُحَمَّد بن نصر هذا الذي روى عنه أبو جعفر ما هو المروزيُّ، وإنَّما هو آخَرُ، ويؤيِّده أنَّه سأل غُنْدَُرًا، والمروزيُّ ما أدرك السماعَ من غُنْدَُر أيضًا، انتهى_ في رواية ابن عَبَّاس عن رسول الله صلعم، فقال: له تسعةُ أحاديثَ)، انتهى.
          وقال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة شمسُ الدين في «الهدي» في (رضاع الكبير): (إنَّه سمع منه ◙ دون العشرينَ حديثًا، وسائِرُها عنِ الصَّحَابةِ).
          وقد نقل شيخُنا في أوائل «شرح هذا الكتاب» عن الداوديِّ قال: (الذي صحَّ ممَّا سمع ابنُ عَبَّاس اثنا عشرَ حديثًا، وحَكى غيرُه عن غُنْدَُر: عشرة أحاديثَ، وعن يحيى القَطَّان وأبي داود: تسعة، ووقع في «المستصفى»: «أنَّ ابن عَبَّاس مع روايته قيل: إنَّه لم يسمع من النَّبيِّ صلعم إلَّا أربعةَ أحاديثَ؛ لصِغَر سِنِّه...») إلى آخر كلامه، فالأقوال إذن خمسةٌ: أربعةٌ، تسعةٌ أو عشرةٌ، عشرةٌ من غير شكٍّ، اثنا عشر، دون العشرين.