التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: من نوقش الحساب عذب

          قوله: (بَاب مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ؛ عُذِّبَ): تنبيهٌ: بعد أن يُعلَم أنَّ الحسابَ: أنَّ الباري ╡ يعدِّد على الخلق أعمالَهم مِن إحسانٍ وإساءةٍ، ويعدِّدُ عليهم نِعَمَه، ثُمَّ يقابل البعضَ بالبعض، فما يشفُّ منها على الآخر؛ حُكِمَ للمشفوف بحكمه الذي عيَّنه للخير بالخير، والشرِّ بالشرِّ؛ قيل: إنَّ الله ╡ يحاسب المكلَّفين بنفسه، ويخاطبهم تعالى ╡، ولا يخاطبهم واحدًا بعد واحدٍ، وقيل: إنَّ الملائكة يحاسِبون بأمر الله ╡؛ كما أنَّ الحُكَّام يحكمون بأمر الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً...} إلى قوله: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ}[آل عمران:77]، وإن لم يكن بهذه الصفة؛ فإنَّ الله يكلِّمُه، فيكلِّمُ المؤمنين، ويحاسبُهم حسابًا يسيرًا من غير ترجمان إكرامًا لهم؛ كما أكرم اللهُ موسى ◙ في الدنيا بالتكليم، ولا يُكلِّم الكفَّار، فتحاسبهم الملائكةُ، ويُميِّزهم بذلك عن أهل الكرامة، فتتَّسع قدرتُه لمحاسبة الخلق كلِّهم معًا؛ كما تتَّسع قدرتُه لإحداث خلائقَ كثيرةٍ معًا، قال الله تعالى: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}[لقمان:28]، ويروى عن عليٍّ ☺: أنَّه سُئِل عن محاسبة الخلق، فقال: (كما يرزقهم في غداة واحدة؛ كذلك يحاسبهم في ساعةٍ واحدةٍ)، والله أعلم.