التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب نفخ الصور

          قوله: (بَابُ نَفْخِ الصُّورِ: قَالَ مُجَاهِدٌ: {الصُّوَرِ}: كَهَيْئَةِ البُوقِ) انتهى.
          تنبيهٌ: قد أنكرَ بعضُ أهلِ الزَّيغِ أن يكون الصُّوْر قَرْنًا، انتهى، يُقال: هو مِن نورٍ تُجعَل فيه الأرواحُ، يُقال: فيه من الثّقب على [عدد] أرواح الخلائق، والله أعلم، ويُروى: أنَّ له رأسَين؛ رأسًا بالمشرق، ورأسًا بالمغرب، والله أعلم.
          تنبيهٌ: اختُلِف في عدد النفخات؛ فقيل: ثلاثة؛ نفخةُ الفَزَع، ونفخةُ الصَّعْق، ونفخةُ البَعْث، وهذا اختيار القاضي أبي بكر ابن العربيِّ المالكيِّ وغيرِه، وقيل: نفختان، ونفخةُ الفزع هي نفخةُ الصَّعْق؛ لأنَّ الأمرين لازمان لها؛ أي: فزِعوا فَزَعًا ماتوا منه، والصحيح أنَّهما نفختان لا ثلاثٌ، وصحَّحه القرطبيُّ في «تذكرته»، قال الحَلِيميُّ: (واتَّفقتِ الرواياتُ على أنَّ بين النفختين أربعينَ سنةً)، وقد تَقَدَّمَ في (تفسير حم السجدة): أنَّها ثلاثُ نفخاتٍ [خ¦65-7059].
          تنبيهٌ: وأمَّا الذي يَنفُخُ؛ فهو إسرافيلُ، قال القرطبيُّ: (قال علماؤنا: والأممُ مُجمِعُون على أنَّ الذي يَنفُخُ في الصُّوْر إسرافيلُ ◙)، قال القرطبيُّ: (وقد جاء حديثٌ يدلُّ على أنَّ الذي يَنفُخُ في الصُّوْر غيرُ إسرافيلَ، خرَّجه أبو نُعَيم...) فذكره كما أذكرُه عنه بُعَيد هذا، والله أعلم، ووقع في «المستدرك» للحاكم في (كتاب الأهوال) في أوَّله عن أبي سعيد ☺ عن النَّبيِّ صلعم...؛ فذكر حديثًا، وفيه: «مَلَكان مُوَكَّلان بالصُّوْر، ينتظران متى يُؤمَران، فيَنْفُخان...»؛ الحديث، وفي سنده خارجةُ؛ ضعيفٌ، وفي «سنن ابن ماجه» وغيرِه عن أبي سعيد: قال رسول الله صلعم: «إنَّ صاحبَي الصُّوْر في أيديهما قرنان...» إلى آخره، وفي سنده في «ابن ماجه» حجَّاجٌ وعَطيَّةُ، وحالتُهُما معروفةٌ مشهورةٌ، وفي «مسند أحمد» عن أبي مُرَيَّة _ولا أعرفه؛ أهو صَحَابيٌّ أو تابعيٌّ أو غيرُ ذلك؟ وعنه أسلمُ الحرانيُّ(1)_ عن النَّبيِّ صلعم، أو عن عبد الله بن عمرو عن النَّبيِّ صلعم قال: (النافخان في السماء الثانية، رأس أحدهما في المشرق، ورِجلاه بالمغرب، أو قال: رأسُ أحدِهِما بالمغربِ، ورِجلاهُ بالمشرِقِ، ينتظرانِ متى يُؤمَرانِ(2) يَنفُخانِ في الصُّوْرِ، فيَنفُخانِ)، قال القرطبيُّ في «تذكرته» في آخر الكلام على النافخ للصُّوْرِ وقد ذكر حديثًا من «سنن أبي داود» فقال: «عن يمينه _يعني: صاحب الصور_ جبريلُ، وعن يساره ميكائيلُ»، قال: (فلعلَّ لأحدِهِما قَرْنًا آخَرَ يَنفُخُ فيه، والله أعلم)، وذكر أيضًا حديثًا آخَرَ، وقد قال قبله: (قد جاء حديثٌ يدلُّ على أنَّ الذي يَنفُخُ في الصُّورِ غيرُ إسرافيلَ ◙، خرَّجه أبو نُعَيم الحافظ: حدَّثنا سليمان: حدَّثَنا أحمد بن القاسم: حدَّثَنا عَفَّانُ بن مسلم: حدَّثَنا حَمَّاد بن سلمة عن عليِّ بن زيد، عن عبد الله بن الحارث قال: كنتُ عند عائشةَ ♦ وعندها كعبُ الأحبار، فذكر كعبٌ إسرافيلَ، فقالت عائشةُ ♦: يا كعبُ؛ أخبرني عن إسرافيلَ، قال: عندكم العِلْمُ، فقالت: أَجَلْ؛ فأخبرني، فقال: له أربعةُ أجنحةٍ؛ جناحان في الهواء، وجناحٌ قد تسربل به، وجناحٌ على كاهله، والعرشُ على كاهله، والقلمُ على أذنه، فإذا نزل الوحيُ؛ كتب القلمُ، ثُمَّ درستِ الملائكة، ومَلَكُ الصُّورِ جاثٍ على إحدى رُكبتَيهِ، وقد نصبَ الأخرى، ملتقمٌ الصُّوْرَ، مُحْنِيًا ظهرَه، شاخصًا ببصرِه، ينظرُ إلى إسرافيلَ، وقد أُمِر إذا رأى إسرافيلَ قد ضمَّ جناحَه أن ينفخَ في الصُّوْرِ، قالت عائشة: هكذا سمعتُ من رسول الله صلعم يقول، غريبٌ من حديث كعبٍ، لم يروِه عنه إلَّا عبدُ الله بن الحارث، رواه خالدٌ الحَذَّاء عن الوليد أبي بشر، عن عبد الله بن رباح، عن كعب نحوَه)، انتهى، في السند عليُّ بن زيد، وحالتُه معروفةٌ، قال القرطبيُّ: (وما خرَّجه التِّرْمِذيُّ وغيرُه يدلُّ على أنَّ صاحبَ الصُّوْر إسرافيلُ، ينفخ فيه وحدَه، وحديث ابن ماجه يدلُّ على أنَّ معه غيرَه)، ثُمَّ ذكر حديثًا عن أبي السَّرِيِّ التيميِّ بسنده إلى عبد الرَّحْمَن بن أبي عمرو، وفيه: «ومَلَكانِ مُوَكَّلانِ بالصُّوْر، يَنتظرانِ متى يُؤمَرانِ»، ثُمَّ قال: (قال _يعني: أبا السَّرِيِّ_ وحدَّثنا...) فذكر حديثًا عن كعبٍ، وفيه: (ومَلَكان مُوَكَّلان بالصُّوْر، يَنتظرانِ متى يُؤمَرانِ فيَنفُخانِ).
          تنبيهٌ: الصُّوْرُ: القرنُ الذي يَنفُخُ فيه إسرافيلُ ◙ عند بعث الموتى إلى المحشر، وقد تَقَدَّمَ قريبًا أنَّ بعضَ أهل الزيغ أنكرَ أن يكون الصُّوْرُ قَرْنًا، وقال بعضهم: إنَّه الصُّوَرُ؛ جمعُ (صورة)؛ يُريد: صُوَرَ الموتى تُنفَخ فيها الأرواحُ، وبه قرأ الحسنُ بنُ أبي الحسنِ البصريُّ: ▬وَنُفِخَ فِي الصُوَرِ↨، وقد ذكر هذه القراءةَ البُخاريُّ في (التفسير) في (سورة الأنعام) [الأية:73]، ولفظه: (▬الصُّوَرِ↨: جَمَاعَةُ صُورَةٍ؛ كَقَوْلِهِ: سُورَةٌ وَسُوَرٌ)، انتهى [خ¦65-6688]، وكسرُ الصادِ لغةٌ في (الصُّوَر)، والصحيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ الأحاديثَ تَعاضَدَتْ عليه، تارةً بـ (الصُّوْر)، وتارةً بـ (القَرْن)، وذكر ابن عبد السلام الشَّافِعيُّ الشيخُ عِزُّ الدِّين السُّلَميُّ: / (الصُّوَر: جمعُ «صورة»، أو شِبْهُ قَرْنٍ يُنفَخُ فيه، أو عبارةٌ عنِ الدعاء؛ كالنَّفْخِ بالبوق للجيش)، انتهى.
          قوله: ({النَّاقُورِ}: الصُّوْرُ): هو بضَمِّ الصاد، وإسكان الواو.


[1] كذا في (أ)، وأسلم الراوي عن أبي مرية هو العجلي، انظر «تهذيب الكمال» ░2/529▒.
[2] زيد في (أ): (أن)، ولا تستقيم مع رفع الفعل، وليست في «المسند».