التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: الصراط جسر جهنم

          قوله: (بَابٌ: الصِّرَاطُ جَـِسْرُ جَهَنَّمَ): فائدةٌ: ذهب مَن تكلَّم على أحاديثِ الصراط في وصفه أنَّه أدقُّ من الشَّعرة وأحدُّ من السيف؛ بأنَّ ذلك راجعٌ إلى عُسْرِه ويُسْرِه على قدر الطاعات والمعاصي، ولا يعلم حدَّ ذلك إلَّا اللهُ؛ لخفائها وغموضها، قال القرطبيُّ: (وما ذكره من هذا التأويل مردودٌ بما ذكرناه من الأخبار، وأنَّ الإيمان يجب بذلك، وأنَّ القادر على إمساك الطائر في الهواء قادرٌ على أن يمسك عليه المؤمن، فيُجرِيه أو يُمشِيه، ولا يُعدَل عن الحقيقة إلى المجاز إلَّا عند الاستحالة، ولا استحالةَ)، انتهى.
          تنبيهٌ: رُوِيَ أنَّ مسافة الصراط ألفُ سنة صعودًا، وألفُ سنة هبوطًا، وألفُ سنة استواءً، وهو لا يسع الخلقَ على هذا العِظَم، فإنَّهم أكثرُ من ذلك، ولكن يقوم من فَضَل من الخلق عن الصراط على متن جهنَّم، وهي كإهالة، ذكره القرطبيُّ في «تذكرته» عن كتاب «الإفصاح» لشبيب بن إبراهيم بن حيدرة، انتهى، وفي كتاب «المجالسة» للدِّيْنَوَرِيِّ القاضي أبي بكر بن أحمد بن مروان بسنده إلى بشرٍ الحافي قال: (دخلتُ على الفُضَيل بن عياض، فذكر كلامًا، وفيه: بلغني أنَّ الصراطَ مسيرةُ خمسةَ [عشرَ] ألفَ عامٍ؛ خمسة آلاف صعود، وخمسة آلاف نزول، وخمسة آلاف مستوٍ، أدقُّ من الشَّعرة، وأحدُّ من السيف، على متن جهنم، لا يجوزها إلَّا كلُّ ضامرٍ مهزولٍ من خشية الله ╡، وبلغني في بعض الروايات: «أنَّه إذا دخلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، وأهلُ النارِ النارَ؛ ذكروا أهلُ الجنَّة: هل بقيَ أحدٌ على الصراط بعد خمسةٍ وعشرين ألفَ عامٍ؟ فيُقال: بقي رجلٌ يحبو، فبلغ ذلك الحسنَ، فقال: يا ليتني أنا ذلك الرجل، فأنا يا أبا نصر لا أهدأ من البكاء أبدًا»)، انتهى، وأبو نصرٍ: هو بشرٌ الحافي.
          وفي «منهاج الواعظين» لأبي الفرج ابن الجوزيِّ: (يُنصَب الصراط على متنها، طوله خمس مئة عامٍ، وقيل: ثلاثة آلاف؛ منها صعود ألف، واستواء ألف، وهبوط ألف، وقيل: سبعة آلاف عام، وقيل: ستَّة وثلاثون ألف سنة من سنِي الدنيا، أدقُّ من الشَّعرة، وأحدُّ من السيف، وأحرُّ(1) من الجمر، وقيل: إنَّه شَعرة من جَفن عينِ مالكٍ يمدُّها على متن جهنَّم، عليه حَسَكٌ وكلاليبُ، متعلِّقٌ بكلِّ كلُّوب منها عددُ نجوم السماء من الزبانِيَة...) إلى آخر كلامه.
          فائدةٌ: في «مسند أحمد» من حديث عائشة ♦ مرفوعًا في جملة حديث: «وبجهنَّم جسرٌ أدقُّ من الشَّعرة، وأحدُّ من السيف...»؛ الحديث، وفي «صحيح مسلم» من قول أبي سعيد _هو الخُدْريُّ_: (بلغني أنَّ الجسرَ أدقُّ من الشَّعرة، وأحدُّ من السيف)، انتهى، وهذا البلاغ هو في «مسند أحمد» من حديث عائشة، كما تَقَدَّمَ، قال القرطبيُّ في «تذكرته»: (قال بعضُ الحُفَّاظ: هذه اللفظة _يعني: «أدقُّ من الشعرة»_ ليست بثابتةٍ)، انتهى، ووقع بلاغ أبي سعيد مرفوعًا في «شعب الإيمان» للبيهقيِّ من حديث أنس، وضعَّفه، وفي «الشعب» أيضًا من رواية عُبيد بن عمير مرسلًا، ومن قول ابن مسعود: (الصراط كحدِّ السيف)، وفي آخره ما يدلُّ على أنَّه مَرْفُوعٌ، والله أعلم، وفي «المستدرك» من كلام ابن مسعود ☺ في (سورة مريم) قال: («الصراط على جهنَّم مثلُ حدِّ السيف»، على شرطهما)، انتهى، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الصَّحَابيَّ إذا قال قولًا لا مجال للاجتهاد فيه كهذا؛ فإنَّه يكون مرفوعًا، نصَّ عليه الشَّافِعيُّ [خ¦3364]، ثُمَّ ذكره الحاكم مرَّة أخرى في السورة المذكورة، ورفعه إلى النَّبيِّ صلعم على شرطهما.
          قوله: (جَـِسْرُ جَهَنَّمَ): (الجَـِسر): بفتح الجيم وكسرها، وأصله: القنطرة يُعبَر عليها، ذكر اللُّغَتَين صاحبُ «المطالع»، وقدَّم الفتحَ.


[1] في (أ): (وأحد)، ولعلَّ المُثبتَ هو الصَّوابُ.