التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: حجبت النار بالشهوات

          قوله: (حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ): (حُجِبَت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(النارُ): مَرْفُوعٌ قائمٌ مقام الفاعل، ومعناه: أنَّ الشهواتِ بين الشخص وبين النار، وكذا المكاره بين الشخص وبين الجنَّة، فإذا أخذ بالشهوات؛ دخل النار، والمراد: الشهوات المحرَّمة؛ كالخمر، والزِّنى، والنظرِ إلى الأجنبيَّة، والغِيبةِ، واستعمالِ الملاهي، ونحوِ ذلك، وأمَّا الشهواتُ المباحةُ؛ فلا تدخل في هذا، لكن يُكرَه الإكثار منها؛ مخافةَ أن تجرَّ إلى المحرَّمة، وتُقَسِّيَ القلبَ، وتشغلَ عن الطاعاتِ.
          وقال القرطبيُّ في «تذكرته» فيه شيئًا عن القاضي أبي بكر ابن العربيِّ المالكيِّ في قوله: «حُفَّتِ الجنَّة بالمكاره، وحُفَّتِ النار بالشهوات»؛ أي: جُعِلَت بحافاتها(1)؛ أي: جوانبها، قال: (وتوهَّم الناس أنَّها ضُرِبَ فيها المَثَلُ، فجعلها في جوانبها من خارج، ولو كان ذلك مَثَلًا؛ [ما] كان صحيحًا، وإنَّما هي من داخل، وهذه صورتها:
           [الجنة]
          الصبر - الألم
          الفقر - المكاره
          العدوُّ
           [النار]
          الدنيا
          المال
          الجاهُ
          وعن هذا عبَّر ابنُ مسعود بقوله: «الجنَّة حُفَّت بالمكاره، والنَّار حُفَّت بالشهوات»، فمَن اطَّلع الحجابَ؛ فقد واقع ما وراءه، وكلُّ مَن تصوَّرها من خارج؛ فقد ضلَّ عن معنى الحديث، وعن حقيقة الحال(2).
          فإن قيل: فقد قيل: «حُجِبَت النار بالشهوات»؟ قلنا: المعنى واحدٌ؛ لأنَّ الأعمى عن التقوى الذي قد أَخَذَت سمعَه وبصَرَه الشهواتُ يراها ولا يرى النارَ التي هي فيها وإن كانت؛ باستيلاء الجهالة ورَين الغفلة على قلبه؛ كالطائر يرى الحبَّة في(3) داخل الفخِّ وهي محجوبةٌ عنه [ولا يرى الفخَّ]؛ لغلبة شهوة الحبَّة، وتعلُّق بالِه بها، وجهلِه بما جُعِلَت فيه وحُجِبَت)، انتهى.


[1] في (أ): (بحفافتها)؛ بلا نقط، ولعلَّ المُثبتَ هو الصَّوابُ، وفي مصدره: (على حافاتها).
[2] في هامش (أ): (مطلبٌ في التوفيق بين حديث: «حُفَّتِ الجنَّةُ بالمكاره»، وحديث: «حُجِبَت الجنَّة بالمكاره»).
[3] في (أ): (من)، والمثبت من مصدره.