التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب قول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر}

          قوله: (مَا رَمَى بِهِ): (رَمَى): بفتح الراء والميم، مَبْنيٌّ للفاعل، وهو البحر.
          قوله: (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ): هو أبو بكر الصِّدِّيق، عبدُ الله بن عثمان الصِّدِّيق، خليفةُ رسول الله صلعم، كذا عزاه شيخُنا إلى ابن أبي شيبة أنَّه أخرجه.
          قوله: (الطَّافِي حَلَالٌ): هو بالطاء المُهْمَلة، وبعد الألف فاء، ثُمَّ ياء، منقوصٌ؛ كـ(القاضي)، وهو ما مات في البحر فطفا على الماء، يُؤكَل عند أهل الحجاز، ومنعه الكوفيُّون، يُقال: طفا الشيء فوق الماء يطفُو طَفْوًا وطُفُوًّا؛ إذا علا ولم يرسب.
          قوله: (إِلَّا مَا قَذِرْتَ مِنْهَا): (قَذِرْتَ): بفتح القاف، وكسر الذال المُعْجَمة في الماضي، مفتوحها في المستقبل، وقد تَقَدَّمَ [خ¦3133].
          قوله: (وَالْجِرِّيُّ لَا تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ): وفي نسخة: (والجِرِّيث(1))، (الجِرِّيُّ): بكسر الجيم، وتشديد الراء المكسورة، ثُمَّ ياء مشدَّدة، قال شيخنا: (هو بفتح الجيم، كما ذكر القاضي عياض، وفيه الكسر أيضًا، وبه ضبطه الدِّمْيَاطيُّ بخطِّه، وهو ما لا قِشْر له)، انتهى، و(الجِرِّيث): بكسر الجيم، وتشديد الراء المكسورة، / ثُمَّ مثنَّاة تحت، ثُمَّ ثاء مُثَلَّثة، قال ابن قُرقُول: (و«الجِرِّيُّ»: هو الجِرِّيث؛ ضربٌ من الحيتان، ذكره ابن عَبَّاس، وأنَّ اليهود لا تأكله، قال الخَطَّابيُّ: الأنكليس، نوعٌ من السمك شبه الحيَّات، وذكر غيره: أنَّه نوع عريض الوسط دقيقُ الطرفين)، انتهى، وفي «النهاية»: («الجِرِّيث»: نوع من السمك يشبه الحيَّاتِ، ويُقال له بالفارسيَّة: المرماهِي)، وفي «الصحاح»: (الجِرِّيث؛ بالتشديد: ضربٌ من السمك)، انتهى، وقال ابن القَيِّم الجوزيَّة في «الهدْي»: إنَّه السلور.
          قوله: (شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ صلعم: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ): هذا الموقوفُ رواه الدارقطنيُّ مرفوعًا عن شُرَيح(2) عن النَّبيِّ صلعم: «إنَّ الله ذبح ما في البحر لبني آدم»، عزاه إليه المحبُّ الطبريُّ في «أحكامه»، وعزاه شيخُنا لأبي نعيم وغيرِه مرفوعًا، وقال غير شيخنا: إنَّ البُخاريَّ أسنده في «تاريخه الكبير» فقال: (حدَّثنا مسدَّد: حدَّثنا يحيى عن ابن جُرَيج: أخبرني عمرو بن دينار وأبو الزُّبَير: سمعا شريحًا أدرك النَّبيَّ صلعم قال: «كُلُّ شَيْءٍ في الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ»)، انتهى.
          و(شُريحٌ) هذا: بالشين المُعْجَمة، وفي آخره حاء مهملة، قال ابن قُرقُول في (الشين المُعْجَمة): («وقال شُريحٌ صاحبُ النَّبيِّ صلعم»: كذا لكافَّتهم، قال الفربريُّ: وكذا في أصل «البُخاريِّ»، وعند الأصيليِّ في أصله: «وقال أبو شُريح» [والصواب كما للكافة، وهو شُريح بن هانئ أبو هانئ، وفي الصحابة أيضًا: أبو شُريح] الخزاعيُّ»، أخرج عنه مسلم)، انتهى، قال الدِّمْيَاطيُّ: (شُريح بن هانئ، أبو هانئ، وعند الأصيليِّ: «أبو شُريح»، وهو وَهَمٌ)، انتهى، وكذا قال الجَيَّانيُّ في (شُريح)؛ بالشين المُعْجَمة، وفي آخره حاء مهملة: (وشُريح رجلٌ مِن أصحاب النَّبيِّ صلعم أيضًا، يُروى عنه: «كُلُّ شَيْءٍ في الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ»، أتى ذكره في «الذبائح» من «الجامع»)، انتهى، وفي «الاستيعاب» لابن عَبْدِ البَرِّ: (شُريحٌ رجلٌ مِن الصَّحابة حجازيٌّ(3)، روى عنه أبو الزُّبَير وعمرو ابن دينار، سمعاه يحدِّث عن أبي بكر الصِّدِّيق قال: «كلُّ شيءٍ في البحر مذبوحٌ، ذبح الله لكم كلَّ دابَّة خلقها في البحر»، قال أبو الزُّبَير وعمرو بن دينار: وشُريح هذا أدرك النَّبيَّ صلعم، قال أبو حاتم: «له صحبة»)، انتهى، ولم يذكره الذَّهَبيُّ في (الكنى)، إنَّما ذكره في (الأسماء) في «التَّذهيب»، وفي «التَّجريد»: شُريح بن أبي شُريح، وقال في «التَّذهيب» ما معناه: أنَّه علَّق عنه البُخاريُّ، فإنَّه رقم عليه (خت)، وكذا في «الكاشف».
          قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن أبي رَباح المَكِّيُّ الإمام، وتَقَدَّمَ مترجمًا [خ¦98].
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، وتَقَدَّمَ مترجمًا [خ¦296].
          قوله: (قُلْتُ لِعَطَاءٍ): هو ابن أبي رَباح، تَقَدَّمَ أعلاه.
          قوله: (وَقِلَاتِ السَّيْلِ): (القِلَات): بكسر القاف، وتخفيف اللام، وبعد الألف تاء ممدودة، جمع (قَلْت)؛ بفتح القاف، وإسكان اللام، وهو النقرة في الجبل يستنقع فيها الماءُ.
          قوله: (وَرَكِبَ الْحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ.
          قوله: (وَقَالَ الشَّعْبِيُّ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه بفتح الشين، وأنَّه عامر بن شَراحيل.
          قوله: (وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ.
          قوله: (بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْسًا): (السُّلَحْفاة): بِضَمِّ السين، وفتح اللام، ثُمَّ حاء مهملَتَين ساكنة، ثُمَّ فاء، ثُمَّ ألف، ثُمَّ تاء التأنيث، وهي تاء الوحدة، قال الجوهريُّ: (السُّلَحْفاة؛ بفتح اللام: واحدة السَّلاحف، قال أبو عبيدة: وحكى الرُّؤاسِيُّ: سُلَحْفِيَة؛ مثل: بُلَهْنِيَة، وهو ملحقٌ بالخماسيِّ بألف، وإنَّما صارت ياء؛ لكسرة ما قبلها)، وفي «المطالع»: («السُّلَحْفاة»: بالهاء عند الكافَّة، وعند عُبدوس: «السُّلَحْفا» بغير هاء، وكذا ذكره أبو عليٍّ بفتح اللام، وهو قول الأصمعيِّ، وغير الأصمعيِّ يُسَكِّن اللام فيقول: «سُلْحَفاة»، وذلك غير معروفٍ، قال: ويُقال: سُلَحْفِيَة)، وتَقَدَّمَ أنَّ في «الصحاح» فتحَ اللام فقط، وقدَّمه في «المحكم»، وحكى الإسكانَ، وحكى إسقاطَ الهاء.
          قوله: (كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ(4)): هو برفع (نصراني)، وما بعده معطوفٌ عليه، وهو فاعلٌ مقدَّرٌ، تقديره: وإنْ صاده نصرانيٌّ... إلى آخره، وكذا هو ثابتٌ في نسخة في هامش أصلنا: (وإن صاده نصرانيٌّ...) إلى آخره.
          قوله: (وقال أبو الدَّرْدَاءِ في الْمُرِّيِّ(5)): (أبو الدرداء): هو عويمر بن مالك، وقيل: ابن عامر، وقيل: ابن ثعلبة، وقيل غير ذلك، تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه تأخَّر إسلامه حتَّى أسلم عَقِب بدر، وتَقَدَّمَ مترجمًا [خ¦151]، ☺، و(المُرِّيُّ): بِضَمِّ الميم، وتشديد الراء المكسورة، وكذا الياء مشدَّدة، والمغاربة رأيتهم ينطقون به بتخفيف الراء والياء، وقد ذكره الجوهريُّ في (مرر) فقال: (والمُرِّيُّ: الذي يُؤتَدم به، كأنَّه منسوب إلى المرارة، والعامَّة تخفِّفه)، انتهى، ونقل ابن الأثير ذلك عن الجوهريِّ بزيادةٍ، وفيها توضيح، ولفظه: (المُرِّيُّ؛ بالضمِّ وتشديد الراء: الذي يُؤتَدَم به، كأنَّه منسوبٌ إلى المرارة...) إلى آخره، وقال الشيخ مُحيِي الدين في «تهذيبه»: (هو بِضَمِّ الميم، وسكون الراء، وتخفيف الياء، وهو أدم معروفٌ، وليس هو عربيًّا، وهو يشبه الذي يسمِّيه الناسُ الكامَخ، والكامَخُ ليس عربيًّا، لكنَّه عجميٌّ معرَّبٌ، وذكر الجواليقيُّ في آخر كتابه في «لحن العَوَام» فيما جاء ساكنًا فحرَّكوه: المُرْيَ، ثُمَّ ذكر كلام الجوهريِّ في «صحاحه» الذي ذكرته)، انتهى، والمراد هنا بـ(المُرِّيِّ): هو الذي يأتي تفسيره في (ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ)، أمُّا (مري) المغاربة، فإنَّه حلالٌ بالإجماع؛ لأنَّه عقاقيرُ مجموعةٌ.
          قوله: (ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (قال أبو موسى: عبَّر عن قوَّة الملح والشمسِ، وغَلَبَتِهما على الخمر، وإزالَتِهما طعمَها وريحَها بـ«الذبح»، وإنَّما ذكر النِّينانَ دون الملح؛ لأنَّ المقصود من ذلك هي دون الملح، وهي التي حلَّلَته، وذهب البُخاريُّ إلى ظاهر اللفظ، وأورده في طهارة صيد البحر؛ يريد: أنَّ السمك طاهرٌ حلالٌ، وحِلُّه يتعدَّى إلى غيره؛ كالملح حتَّى تصيرَ الخمرُ النجسةُ الحرامُ بإضافته إليها طاهرةً حلالًا(6)؛ وكان أبو الدرداء ممَّن يُفتي بذلك، ومعناه: أنَّ أهلَ الريف بالشام وغيرِها قد يعجنون المُرِّيَّ بالخمر، وربَّما يجعلون فيه أيضًا السمكَ المُرِّيَّ بالملح والإبزار، نحو ما يسمُّونه: الصِّحْنَاء، وكان أبو هريرة وأبو الدرداء وابن عَبَّاس وغيرُهم من التابعين يأكلون هذا المُرِّيَّ المعمولَ بالخمر، ولا يرون به بأسًا، ويقول / أبو الدرداء: إنَّما حرَّم الله الخمرَ بعينها وسكرها، وما ذبحته الشمس والملح؛ فنحن نأكلُه، ولا نرى به بأسًا) انتهى.
          وفي «المطالع»: («ذبحُ الخمرِ النينانُ والشمسُ»، ويُروى: «ذبحَ الخمرَ النينانُ والشمسُ»؛ أي: طهرُها واستباحةُ استعمالها صنعُها مُرِّيًّا بالحوت المطروح فيها، وطبخُها بالشَّمْسِ(7)، فيكون ذلك كالذَّكاة لما يُستَحلُّ من الحَيَوَان، وفيه اختلافٌ بين العلماء، وهذا على مذهب مَن يجيز تخليلها)، انتهى، فاستفدنا من كلامه أنَّه يُقرَأ بوجهين: (ذبحَ): فعلٌ ماضٍ، و(النينانُ): مَرْفوعٌ فاعلُ (ذبح)، و(الشمسُ): معطوفٌ عليه، و(الخمرَ): مَنْصوبٌ مفعول، وبهذا هو مضبوطٌ في أصلنا، والوجه الثاني: (ذبحُ): مَرْفوعٌ مبتدأ، وهو مصدرٌ، و(الخمرِ): مضاف مجرور، و(النينانُ): مَرْفوعٌ خبرُ المبتدأ، و(الشمسُ): معطوف عليه، وذكر ابن قُرقُول في (النون مع الواو): (النينان: جمع «نون»؛ مثل: حِيتان)، وذكر كلامًا قريبًا من الأوَّل.


[1] كذا في (أ) وهامش (ق)، وفي هامش «اليونينيَّة»: (الجريت)، وهي وراية أبي ذرٍّ عن الكشميهني.
[2] في (أ) (أبو شريح)، والمثبت من مصادر التخريج.
[3] زيد في (أ): (انتهى)، وسيأتي التنبيه عند انتهاء كلام ابن عبد البر.
[4] كذا في (أ) و(ق)، وفي «اليونينيَّة»: (نصرانيٍّ أو يهوديٍّ أو مجوسيٍّ).
[5] كذا في (أ) و(ق)، وفي «اليونينيَّة»: (المُرِي)، وفي هامش (ق): (قال ابن الجواليقي: هو المُرْيُ؛ بسكون الراء لا غير).
[6] في (أ): (حلال)، ولعلَّ المُثْبَت هو الصَّواب.
[7] في (أ): (للشمس)، والمثبت من مصدره.