شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصدقة قبل العيد

          ░76▒ باب: الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْعِيدِ.
          فيه: ابْن عُمَرَ (أَنَّ النَّبيَّ صلعم أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى المُصَلَّى(1)). [خ¦1509]
          وفيه: أَبُو سَعِيدٍ قال(2): كُنَّا نُخْرِجُ في عَهْدِ النَّبيِّ صلعم يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأقِطُ وَالتَّمْرُ. قال أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمرَاءُ، قَالَ: أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعدِلُ مُدَّينِ.
          قال المؤلِّف(3): السُّنَّة إخراج زكاة الفطر قبل خروج النَّاس إلى الصَّلاة لأمر النَّبيِّ صلعم بذلك، وروي عن(4) ابن عبَّاس وابن عمر وعطاء، وهو قول مالك والكوفيِّين.
          وقال سعيد بن المسيِّب وعمر بن عبد العزيز في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى:14-15]، قالا: هي صدقة الفطر. وقال(5) ابن مسعود: من أراد الخروج إلى(6) الصَّلاة تصدَّق بشيءٍ، وقال عطاء: الصَّدقات كلُّها. وقال ابن عبَّاس: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} من الشِّرك {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} قال: وحَّد الله سبحانه فصلَّى الصَّلوات الخمس(7)، وقال عِكْرِمَة: {قَدْ أَفْلَحَ} من قال: لا إله إلَّا الله(8).
          وقول أبي سعيدٍ: (كنَّا نُخْرِجُ يَومَ الفِطر)، هو مجمل يحتمل أن يكون قبل الصَّلاة، ويحتمل(9) بعد الصَّلاة، وإذا كانت صدقة الفطر لإغناء السُّؤال عن المسألة ذلك اليوم جاز إخراجها بعد الصَّلاة لأنَّ ذلك كلَّه يوم الفطر(10)، وفي «المدوَّنة»: وأداؤها(11) بعد الصَّلاة فواسع، وقد رخَّص قوم في تأخيرها عن يوم الفطر، رُوي ذلك عن النَّخَعِيِّ وابن سيرين، وقال أحمد بن حنبل(12): أرجو ألَّا يكون به بأس(13)، ورُوي عن ابن شهاب أنَّه لا بأس أن تؤدَّى زكاة الفطر قبله بيومٍ أو بيومين(14) أو بعده بيومٍ أو يومين، وكان يخرجها هو قبل أن يغدو.
          وقال ابن القاسم في «المدوَّنة»: إن(15) أدَّاها قبل الفطر بيوم أو يومين أجزأه، وقال أصبغ: لا بأس أن يخرجها قبل الفطر بيومين أو ثلاثة وتجزئه، قال ابن الموَّاز: ولو هلكت(16) ضمنها، واختلف قول مالك في وقت وجوب صدقة الفطر، فروى عنه أشهب أنَّها تجب بغروب الشَّمس من ليلة الفطر، وبه قال أشهب والشَّافعيُّ، وروى عنه ابن القاسم وعبد الملك(17) أنَّها / تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر، وبه قالوا وإليه ذهب أبو(18) حنيفة وأصحابه.
          قال ابن القصَّار: والحجَّة لرواية أشهب قول ابن عمر: فرض رسول الله صلعم صدقة الفطر من رمضان، وأوَّل فطر يقع من رمضان هو ليلة العيد، ووجه الرِّواية الأخرى قوله صلعم: (أَغنُوهُم عَنِ المَسأَلَةِ فِي هَذَا اليَومِ) فأمر بأدائها يوم الفطر(19) فدلَّ أنَّه أوَّل أحوال الوجوب.


[1] في (م): ((إلى الصلاة)).
[2] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[3] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م).
[4] في (م): ((روي هذا عن)).
[5] في (م): ((فقال)).
[6] في (م): ((من إذا خرج إلى)).
[7] قوله: ((من الشرك {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} قال: وحَّد الله سبحانه فصلى الصلوات الخمس)) زيادة من (م)، قوله: (({وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} قال: وحَّد الله سبحانه فصلى الصلوات الخمس)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((وقال عِكْرِمَة: {قَدْ أَفْلَحَ} من قال: لا إله إلا الله)) ليس في (م).
[9] زاد في (م): ((أن يكون)).
[10] قوله: ((لأن ذلك كله يوم الفطر)) ليس في (م).
[11] في (م): ((وإن أداها)).
[12] قوله: ((بن حنبل)) ليس في (م).
[13] في (م): ((بذلك بأس)).
[14] في (م): ((يومين)).
[15] في (م): ((إذا)).
[16] في (م): ((بيومين وثلاثة قال ابن المواز: وتجزئه ولو هلكت)).
[17] زاد في (م): ((ومطرف)).
[18] في (م): ((وبذلك قالوا وهو قول أبي)).
[19] في (م): ((الأخرى أن النبي صلعم أمر بأدائها يوم الفطر وقال: أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم)).