شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين

          ░71▒ باب: صَدَقَةِ الْفِطْرِ على الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
          فيه: ابْن عُمَرَ (أَنَّ النَّبيَّ صلعم فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ على كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ). [خ¦1504]
          قال ابن القصَّار: لم يختلف علماء الأمصار أنَّ على السَّيِّد أن يخرج زكاة الفطر عن عبيده المسلمين، وقال أهل الظَّاهر: إنَّ زكاة الفطر تلزم العبد في نفسه، وعلى السَّيِّد تمكينه من اكتساب ذلك وإخراجه عن نفسه، واستدلُّوا بقوله: (عَلَى كُلِّ حُرٍّ وعَبدٍ) وإلى هذا القول ذهب البخاريُّ في هذا الباب، والدَّليل للجماعة قول نافع: فكان ابن عمر يعطي عن الصَّغير والكبير حتَّى إن كان ليعطي(1) عن بَنِيَّ. فهذا يدلُّ أنَّ قوله ◙: (عَلَى العَبدِ) إنَّما معناه على سيِّد العبد، والخطاب(2) للعبد، والمراد مالكه المحتمل(3) لها عنه لأنَّ العبد لا يملك شيئًا، ألا ترى أنَّ العبد لا تلزمه زكاة ماله لأنَّ ملكه غير مستقرٍّ ونفقته واجبة على سيِّده وإن كان له مال، فإذا(4) أذن له سيِّده أن ينفق على نفسه من المال ويزكِّي زكاة الفطر جاز لأنَّه يكون كأنَّ سيِّده انتزع منه ذلك المقدار، و (على) معنى(5) عن لغة مشهورة للعرب، قال القُحَيف:
إذا رَضِيَت علَّي بنو قُشَيرٍ                     لَعَمرُ اللهِ أَعجَبَنِي رِضَاهَا
          أي رضيت عني، قال(6) أبو عبد الله بن أبي صُفرة: لمَّا فُرضت على المملوك كان السَّيِّد الغارم عنه لأنَّه عبد مملوك لا يقدر على شيء، فكذلك إذا جنى كان الغرم على سيِّده.
          واختلفوا في إخراج صدقة الفطر عن العبد الكافر، فقال سعيد بن المسيِّب والحسن: لا يؤدِّي إلَّا عمَّن صام وصلَّى. وهو قول مالك والشَّافعيِّ وأحمد وأبي ثورٍ، وحجَّتهم قوله في حديث ابن عمر: (مِنَ المُسلِمِينَ)، فدلَّ أنَّ الكفار بخلاف ذلك.
          وقال آخرون: يجب على السَّيِّد أن يخرج عن عبده الكافر، هذا قول عطاء والنَّخعيِّ ومجاهدٌ(7) وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الثَّوريُّ وسائر الكوفيِّين وإسحاق، واحتجَّ لهم الطَّحاويُّ بأنَّ قوله ◙: (مِنَ المُسْلِمينَ) خطاب متوجِّه معناه إلى السَّادة، يريد أنَّ من يلزمه إخراج الزَّكاة عن نفسه وعن عبده(8) لا يكون إلَّا مسلمًا، وأمَّا العبد فإنَّه لم يدخل(9) في هذا الحديث لأنَّه لا يملك شيئًا ولا يفرض عليه شيء، وإنَّما أُريد بالحديث مالك العبد، ألا ترى إجماعهم في العبد يعتق قبل أن يؤدِّي عنه مولاه صدقة الفطر أنَّه لا يلزمه إذا ملك بعد ذلك مالًا إخراجها عن نفسه، كما يلزمه إخراج كفَّارة ما حنث فيه من الأيمان وهو عبد، فإنَّه(10) لا يكفرها بصيامٍ، ولو لزمته صدقة الفطر لأدَّاها عن نفسه بعد عتقه، وقال ابن المنذر: القول الأوَّل أصحُّ لأنَّها طهرةٌ للمسلمين وتزكية، والكافر لا يتزكَّى فلا وجه لأدائها عنه، وحجَّة هذا القول ما رواه أبو داود بإسناده عن عِكْرِمَة عن ابن عبَّاس، قال: ((فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلعم زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ(11) مِنَ اللَّغوِ والرَّفَثِ، وطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ)). فدلَّ هذا الحديث أنَّ زكاة الفطر لا(12) تكون إلَّا عن مسلم والله أعلم.


[1] في (م): ((يعطي)).
[2] في (م): ((معناه عن العبد فالخطاب)).
[3] في (م): ((المتحمل)).
[4] في (م): ((فإن)).
[5] في (م): ((بمعنى)).
[6] في (م): ((وقال)).
[7] في (م): ((ومجاهد والنخعي)).
[8] في (م): ((غيره)).
[9] في (م): ((وأما العبد فلم يدل)).
[10] في (م): ((وإنه)).
[11] في (م): ((الصيام)).
[12] في (م): ((الحديث أنها لا)).