شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب صدقة الفطر صاعًا من طعام

          ░73▒ باب: صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ.(1)
          فيه: أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ(2): كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ. [خ¦1506]
          لم يختلف العلماء أنَّ الطَّعام المذكور في هذا الحديث هو البُرُّ، واختلفوا في مكيلته في صدقة الفطر، فرُوي عن الحسن البصريِّ وأبي العالية وجابر بن زيد أنَّه لا يجزئ من البرِّ إلَّا صاع، وهو قول مالك والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق، ورُوي عن جماعة من الصَّحابة والتَّابعين أنَّهم قالوا: يُجزئ من البرِّ نصف صاع، ولا يجزئ ممَّا ذُكر في الحديث إلَّا صاع(3).
          قال ابن المنذر: ورُوي(4) عن أبي بكرٍ وعثمان، ولا يثبت عنهما، ورُوي عن عليٍّ وابن عبَّاس وابن مسعود وجابر وأبي هريرة وابن الزُّبير ومعاوية وأسماء، واختلف(5) عن عليٍّ وابن عبَّاس، فرُوي عنهما القولان جميعًا، وهو قول أبي حنيفة والثَّوريِّ(6)، واحتجُّوا(7) بقول ابن عمر: فعدل النَّاس بالتَّمر والشَّعير نصف صاع من برٍّ، والنَّاس في ذلك الزَّمان(8) كبار الصَّحابة.
          وحجَّة من أوجب صاعًا من برٍّ(9) حديث أبي سعيد، وأنَّه ذكر فيه(10) صاعًا من طعام وصاعًا من(11) سائر الحبوب، ولم يفصل بين واحد منهما(12) في المكيلة(13)، فوجب أن لا(14) يتعدَّى هذا المقدار.
          قال(15) أشهب: سمعت مالكًا سُئل عمَّن(16) يقول: مدَّين من بُرٍّ، فقال: القول ما قال رسول الله صلعم: (صَاع)، فذكر له الأحاديث الَّتي تروى عن رسول الله(17) في المدَّين من الحنطة فأنكرها(18).
          قال ابن القصَّار: وأيضًا فإنَّ اعتبار(19) القيمة لا وجه له، وذلك أنَّ قيمة التَّمر والشَّعير تختلف، ثمَّ لم ينظر إلى ذلك واعتبرت المكيلة(20) ومقدارها(21)، فكذلك البرُّ، وعندنا أنَّ البرَّ والشَّعير جنسٌ واحدٌ في تحريم التَّفاضل بينهما، وجمعهما في الزَّكاة لتقاربهما في المنفعة، ولكونهما قوتًا يستغني(22) به الفقير عن قوت يومه، فلا ينبغي أن يفترق حكمهما.
          قال ابن القاسم: ويخرج أهل كلِّ بلد من جلِّ عيشهم، فالتَّمر عيش أهل المدينة، ولا يُخرج أهل مصر إلَّا البرَّ إلَّا أن يغلو سعرهم، ويصير جلُّ عيشهم الشَّعير فيجزئهم، وذكر(23) عبد الرَّزَّاق عن ابن عبَّاسٍ قال(24): من أدَّى تمرًا قُبل منه، ومن أدَّى شعيرًا قُبل منه، ومن أدَّى سُلتًا قُبل منه صاعٌ صاعٌ.


[1] قوله: ((عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن النَّبيِّ ◙.........باب: صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ.)) الورقة ليست في المخطوط (ص).
[2] قوله: ((الخدري)) ليس في (م).
[3] زاد في (م): ((وهو قول أبي حنيفة)).
[4] في (م): ((روي ذلك)).
[5] زاد في (م): ((فيه)).
[6] قوله: ((وهو قول أبي حنيفة والثوري)) ليس في (م).
[7] في (م): ((واحتج الكوفيون)).
[8] قوله: ((الزمان)) زيادة من (م)وليس في (ص).
[9] زاد في (م): ((قوله في)).
[10] قوله: ((وأنه ذكر فيه)) ليس في (م).
[11] في (م): ((من طعام ومن)).
[12] في (م) صورتها: ((منها)).
[13] في (م): ((المكيلية)).
[14] قوله: ((لا)) ليس في (م).
[15] في (م): ((وقال)).
[16] في (م): ((سئل فقيل له إن من الناس من)).
[17] قوله: (((صاع)، فذكر له الأحاديث التي تروى عن رسول الله)) ليس في (م).
[18] قوله: ((فأنكرها)) ليس في (م).
[19] في (م): ((وقال ابن القصار: واعتبار)).
[20] في (م): ((المكيلية)).
[21] قوله: ((ومقدراها)) ليس في (م).
[22] في (م): ((فيستغني)).
[23] في (م): ((وروى)).
[24] زاد في (م): ((من أدَّى زبيبًا قُبل منه، و)).