عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر
  
              

          ░3▒ (ص) بَابُ تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ.
          (ش) أي: هذا باب في بيان طلبِ ليلة القَدْرِ بالاجتهاد في الوترِ مِنَ العشر الأواخر؛ مثل الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين، وأشارَ بهذه / الترجمة إلى أنَّ ليلة القدر منحصرةٌ في العشر الأخير من رمضان، لا في ليلةٍ منه بعينها.
          وروى مسلمٌ والنَّسائيُّ من حديث أبي هُرَيْرَة: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «أُرِيتُ ليلةَ القدر، ثُمَّ أيقظني بعض أهلي، فنُسِّيتُها، فالتمسوها في العشر الغوابرِ»، وروى الطبرانيُّ في «الكبير» من رواية عاصم بن كُلَيبٍ عن أبيه: أنَّ خالَه الفَلَتَانَ بنَ عاصمٍ أخبره: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «أَمَّا ليلة القدر؛ فالتمسوها في العشر الأواخر»، وروى النَّسائيُّ من حديث طويلٍ لأبي ذرٍّ، وفيه: «في السبع الأواخر»، وروى التِّرْمِذيُّ من حديث أبي بكرة: سمعت النَّبِيَّ صلعم يقول: «التمسوها في تسعٍ يبقين، أو سبع يبقين أو خمسٍ يبقين، أو ثلاثٍ، أو آخر ليلة» وقال: حديث حسن صحيح، ورواه النَّسائيُّ أيضًا والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه، وروى ابن أبي عاصم بسندٍ صالحٍ عن معاذ بن جبل ☺ : سُئِلَ رسول الله صلعم عن ليلة القدر، فقال: «في العشر الأواخر في الخامسة أو السابعة»، وعن أبي الدَّرْدَاء بسندٍ فيه ضعفٌ، قالَ رسول الله صلعم : «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، فإنَّ الله ╡ يفرق فيها كلَّ أمرٍ حكيمٍ، وفيها أنزلت التوراةُ والزَّبورُ، وصحفُ موسى، والقرآن العظيم، وفيها غرسَ اللهُ الجنَّةَ، وجبلَ طينة آدم عليه السّضلام».
          وقد ورد لليلة القدر علاماتٌ:
          منها: في «صحيح مسلم» عن أُبَيِّ بْن كعب: أنَّ الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاعَ لها.
          ومنها: ما رواه البَزَّار في «مسنده» مِن حديث جابر بن سمُرةَ قال: قال رسول الله صلعم : «التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر، فإنِّي قد رأيتها فنُسِّيتُها، وهي ليلة مطر وريح، أو قال: قطر وريح» وقال أبو عمر في «الاستذكار»: هذا يدلُّ على أنَّهُ أراد في ذلك العام.
          ومنها: ما رواه ابنُ حِبَّان في «صحيحه» عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلعم : «إنِّي كنت أُرِيتُ ليلةَ القدر، ثُمَّ نُسِّيتُها، وهي في العشرِ الأواخر، وهي طلقة بَلْجَة؛ لا حارَّةٌ ولا باردةٌ، كأنَّ فيها قمرًا يفضح كواكبها، لا يخرج شيطانُها حَتَّى يضيءَ فجرُها».
          ومنها: ما رواه أحمد من حديث عُبَادَة بن الصامت مرفوعًا: «إِنَّها صافيةٌ بَلْجَةٌ، كأنَّ فيها قمرًا ساطعًا، ساكنة صاحية، لا حرَّ فيها ولا بردَ، ولا يحلُّ لكوكب يرمي به فيها، وأنَّ مِن أَمَارتِها أنَّ الشمسَ في صبحتها تخرج مستويةً ليس لها شعاعٌ، مثل القمر ليلةَ البدر، لا يحلُّ للشيطان أن يخرج معها يومئذٍ».
          ومنها: ما رواه ابنُ أبي شَيْبَةَ من حديث ابن مسعود: أنَّ الشمس تطلع كلَّ يوم بين قرني شيطان إلَّا صبيحةَ ليلة القدر.
          ومنها: ما رواه ابنُ خُزَيمةَ من حديث أبي هُرَيْرَة مرفوعًا: «أنَّ الملائكة تلك اللَّيلةَ أكثرُ في الأرض مِن عدد الحصى».
          ومنها: ما رواه ابن أبي حاتم من طريق مجاهد: «لا يرسل فيها شيطان، ولا يحدثُ فيها داءٌ»، ومِن طريق الضَّحَّاك: «يقبل الله التوبةَ فيها من كلِّ تائب، ويفتح فيها أبوابَ السماء، وهي من غروب الشمس إلى طلوعها» وذكر الطَّبَريُّ عن قومٍ: أنَّ الأشجار في تلك الليلة تسقط إلى الأرض، ثُمَّ تعودُ إلى منابتها، وأنَّ كلَّ شيءٍ يسجد فيها، وروى البَيْهَقيُّ في «فضائل الأوقات» مِن طريق الأوزاعيِّ عن عَبْدة بن أبي لبابة: أنَّهُ سمعه يقول: إنَّ المياه المالحة تعذُبُ تلك اللَّيلةَ، وروى أبو عمر من طريق زهرة بن مَعْبَد نحوَه.
          (ص) [فِيهِ عُبَادَةُ.
          (ش) أي: في هذا الباب حديثُ عُبَادَةَ بنِ الصامت ☺ ، ويجيء في الباب الذي يليه، ويُرْوَى: <فيه: عن عبادة>]
.