عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه}
  
              

          ░5▒ (ص) باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}[البقرة:196].
          (ش) أي: هذا باب في بيان تفسير قوله تعالى: ({فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا})، وهذه قطعةٌ من آيةٍ أوَّلُها قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِله} وآخرُها: {وَاعْلَمُوا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
          تشتمل على أحكامٍ شتَّى:
          منها: قوله: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} فإنَّ هذه نزلت في كعب بن عجرة لمَّا حُمِل إلى النَّبِيِّ صلعم والقمل يتناثر في وجهه، على ما يجيء بيانه عن قريبٍ إن شاء الله تعالى.
          قوله: ({فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا}) أي: مَن كان به مرضٌ يَحُوجُه إلى الحلق ({أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ}) وهو القمل والجراحة.
          قوله: ({فَفِدْيَةٌ}) أي: فعليه إذا حلق فديةٌ ({مِنْ صِيَامٍ}) ثلاثة أيَّام ({أَوْ صَدَقَةٍ}) على ستَّة مساكين لكلِّ مسكينٍ نصف صاعٍ من برٍّ ({أَوْ نُسُكٍ}) جمع (نسيكة)، وهي الذبيحة، أعلاها بدنةٌ، وأوسطها بقرةٌ، وأدناها شاةٌ، وهل هي على التخيير أم لا؟ فيه خلافٌ، يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
          (ص) وَهُوَ مُخَيَّرٌ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
          (ش) الضمير _أعني قوله: (هُوَ) _ يرجع إلى كلِّ واحدٍ مِنَ المريض ومَن به أذًى في رأسه.
          قوله: (مُخَيَّرٌ) يعني: بين الأشياء الثلاثة المذكورة في الآية المذكورة؛ وهي صوم ثلاثة أيَّام، والصدقة على ستَّة مساكين، وذبح شاة.
          قوله: (وَأَمَّا الصَّوْمُ) كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ: <وأَمَّا الصيام> على لفظ ما جاء في القرآن، وكلمة (أَمَّا) تفصيليَّةٌ تقتضي القسيم، وهو محذوف؛ تقديره: وأَمَّا الصدقة فهي إطعام ستَّة مساكين، وأَمَّا النسك فأقلُّه شاةٌ.