الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة

          ░5▒ (باب إِخْرَاجِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْخُصُومِ مِنَ الْبُيُوتِ) أي: جواز إخرَاجِ الحاكمِ لهم من بيوتهِم النَّازلين فيها (بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ) أي: بعدَ معرفةِ الحاكمِ بأحوَالهم المضرَّةِ وثبوتها عندَه، أو بعدَ معرفتِهِم بالحكمِ، وذلك على سبيلِ التَّأديبِ لهم والزَّجرِ عن ارتكابِ ما لم يجوِّزهُ الشَّرعُ.
          تنبيه: ((إخراج)) مصدرٌ مضافٌ لمفعولِهِ بعد حذفِ فاعلهِ، و((المعاصِي)) جمع: معصيةٍ، وهي الذَّنبُ مطلقاً، و((الخُصُوم)) جمع: الخصمِ بمعنى: المخاصمِ عطفٌ على ((أهل))، والمرادُ بهم: من ظهرَ منهم الأذَى والمجادلةِ.
          (وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ) أي: ابن الخطَّاب ☺ (أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ) أي: الصِّدِّيق ☻ من بيتها (حِينَ نَاحَتْ) بالنون من النَّوحِ، وهو رفع الصَّوتِ بالنَّدبِ، فعلتُ ذلك معَ غيرها من النِّسوةِ لما توفِّي أخوها أبو بكرٍ ☻.
          وهذا التَّعليقُ وصلَهُ ابنُ سعدٍ في ((طبقاتهِ)) بإسنادٍ صَحيحٍ من طريق الزُّهريِّ عن سعيدِ بن المسيَّب قال: لما تُوفِّي أبو بكرٍ أقامَتْ عائشةُ عليه النَّوحَ فبلغَ عمرُ فنهاهنَّ فأبين فقال لهشام بن الوليدِ: اخرج إلى بنت أبي قحافةَ _يعني: أم فروة_ فعلاها بالدرَّة ضرباتٍ فتفرق النَّوائحُ حين سمعت ذلك، ووصله إسحاق بن راهويه في ((مسنده)) من وجهٍ آخر عن الزهريِّ وفيه: فجعل يخرجهنَّ امرأةً امرأةً وهو يضربهنَّ بالدُّرَّة.
          قال ابن الملقِّن في ((التوضيح)): قلت: وهو منقطعٌ فيما بين سعيدٍ وعمر فينظر في جزمِ البخاريِّ به، انتهى.
          ولعلَّ تخصيصَ عمر لأمِّ فروةَ بإخراجِهَا أولاً؛ لأنَّها تكلَّمْتُ بما لا يليقُ، أو لأنَّها أكبر النِّساء، ومطابقتهُ للترجمة ظاهرةٌ.
          تنبيه: أخت أبي بكرٍ هذه هي: أمُّ فَرْوَة، بفتح الفاء والواو بينهما راء ساكنة آخرها تاءُ تأنيثٍ، وأمُّها كما في ((الاستيعاب)): هندُ بنتُ نُقَّيْد بن بُجَبرِ بنِ عبد بنِ قصيِّ، فهي أختُ أبي بكرٍ لأبيهِ؛ لأنَّ أمَّه أمُّ الخيرِ اسمها: سلمَى بنتِ صخرِ بنِ عامر بنِ عَمرو بنِ كعبِ بن سعدِ بنِ زُرارة بنِ تيمٍ، وأمُّ فَرْوة كانت من المبَايعاتِ، بايعَتِ النَّبيَّ صلعم، وروت عن النَّبيِّ صلعم حديثاً عند القاسم بن هشامٍ الأنصاريِّ قالت: سمعْتُ النَّبيَّ صلعم يقول: ((إن أحَبَّ الأعمَالِ إلى اللهِ ╡ الصَّلاةُ في أوَّل وقتها))، وليسَتْ راويةُ هذا الحديثِ أم فَرْوة الأنصاريَّة، كما في ((الاستيعاب)) وإن جرَى عليهِ فيه في ((التقريب)) وأمُّ فروة أختُ أبي بكرٍ هي التي زوَّجها أخوها أبو بكر الصِّديق من الأشعثِ بن قيسٍ الكنديِّ فولدت له محمَّداً وإسحاقَ وجُبَار وقُرِيبة.