الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الصدقة قبل العيد

          ░76▒ (بَابُ الصَّدَقَةِ): أي: استحبابُ إخراجِ صدقةِ الفطر (قَبْلَ الْعِيدِ): أي: قبل خروجِ النَّاس إلى صلاتهِ وبعد صلاةِ الفجرِ.
          وقال ابن المنير: كأنَّ مقصُودَ البخاري أنها لا تقدمُ على يوم العيدِ فلا تخرج أيضاً ليلته؛ لأنَّ ظاهرَ قوله في حديث الباب: ((يوم الفطر)) أنَّه من الفجر لا ما قبله، وإن كانت الليلة تدخُلُ في اليوم لغة، لكن الظَّاهر عرفاً في قولِ القائلِ: يوم كذا: أنَّه يريدُ من الفجرِ، وفائدةُ الخلافِ في تحديدِ أول وقت الوجوبِ تظهرُ فيمن مات أو ولد أو أسلم أو بيع فيما بين الحدَّين المختلف فيهما. انتهى.
          وقال ابن بطَّال: السُّنَّة إخراجُ زكاة الفطرِ قبل خروج النَّاس إلى الصَّلاة لأمر النَّبي صلعم بذلك، وروي عن ابن عبَّاس وابن عمر وعطاء، وهو قول مالكٍ والكُوفيين، وقال سعيدُ بن المسيِّب وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14-15] قال: هي صدقةُ الفطر. انتهى.
          ويحتملُ أنَّ البخاريَّ أراد بيانَ وقت وجوبها، وأنه يكونُ بطلوعِ فجرِ يوم النحر، وهو قولُ اللَّيث وأبي حنيفةَ ومالك في رواية ابن القاسم وغيره، وفي روايةٍ عنه: تجبُ بآخر جزءٍ من ليلة الفطر وأوَّل جزءٍ من يومهِ، وفي رواية أشهب: تجبُ بغروبِ الشَّمس من ليلة الفطر، وهو قولُ الأوزاعيِّ والشَّافعي في الجديد.
          وعلى جميعِ الأقوالِ فالمستحبُّ: إخراجها قبل الصَّلاةِ عند الفقهاءِ من المذاهبِ الأربعة وغيرهم، ولا يكرهُ تأخيرها عنها إلى الزَّوال خلافاً للحنابلة، فإنَّهم قالوا بكراهة التَّأخير عنها وجرى عليه في ((التحفة)) عندنا.
          وعندنا _كالحنابلة_ يكرهُ التَّأخير عن الزَّوال، ويحرمُ عن يومهِ عندنا وعند الحنابلة إلا لعذرٍ لحديثِ ابن عُمر عند سعيد بن منصُور: ((أغنوهم عن طوافِ هذا اليوم)) وأما ابتداءُ جوازِ إخراجِهَا فعندنا: من أوَّل رمضَان لوجودِ أحد السَّببين، وعند المالكيَّةِ والحنابلةِ: يجوزُ تقديمها بيومين على ليلة العيد، وعند الحنفيَّة: يكونُ أداء في جميع السَّنة على الصَّحيح، وما ذكرناهُ عن الحنابلة هو الموجودُ في كتبهم ((كالمنتهى)).
          لكن قال الكرمانيُّ: وقال أحمد: أرجو أن لا يكونَ بأسٌ في التَّأخيرِ عن يوم الفطرِ أيضاً. انتهى ولعلَّهُ روايةٌ عنه فراجعهُ.