الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب القنوت قبل الركوع وبعده

          ░7▒ (بَابُ الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ): أي: جوازه قبل الرُّكوع وبعده، كما يدلُّ له حديث أنسٍ الأوَّل، ولعلَّه مذهب المصنِّف، وهو مذهب مالكٍ وأحمد أيضاً كما سيأتي، والصَّحيح عند الشَّافعيَّة: أنَّه لا يجزئ قبله كما يأتي، وهل هو خاصٌّ بالصُّبح، أو بالمغرب والصُّبح، أو بالوتر، أو شاملٌ لسائر الصَّلوات الشَّاملة للوتر وغيره من الفرائض ولكن في النَّازلة أو مطلقاً؟ فهو مشروعٌ على كلِّ حالٍ، لكن منهم مَن لا يرى جوازه قبل الرُّكوع، بل يعيِّنه بعده، ومنهم مَن يرى كلًّا منها جائزاً، وسيأتي تفصيل المذاهب في ذلك.
          وقال ابن رجبٍ: لم يبوِّبِ البخاريُّ على القنوت إلَّا عقب أبواب الوتر، وهذا يدلُّ على أنَّه يرى القنوت في الوتر وحده / أو مع غيره من الصَّلوات، وقال الزَّين ابن المنيِّر: أثبت بهذه التَّرجمة مشروعيَّةَ القنوت إشارة إلى الرَّدِّ على مَن زعم أنَّه بدعةٌ كابن عُمر، وفي ((الموطَّأ)) عنه: كان لا يقنت في شيءٍ مِن الصَّلوات، ووجه الرَّدِّ عليه ثبوته من فعل النَّبيِّ، قال: ولم يقيِّده في التَّرجمة بصبحٍ ولا غيره مع كونه مقيَّداً في بعض الأحاديث بالصُّبح، وأوردها في أبواب الوتر أخذاً من إطلاق أنسٍ في بعض الأحاديث. انتهى.
          وقال في ((الفتح)): ويظهر لي أنَّه أشار بذلك إلى قولِه في الطَّريق الرَّابعة: ((كان القنوتُ في الفجر والمغرب)) لأنَّه ثبت أنَّ المغرب وترُ النَّهار، فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر اللَّيل بجامع ما بينهما مِن الوتريَّة، مع أنَّه ورد الأمر به صريحاً في الوتر، فروى أصحاب ((السُّنن)) من حديث الحسن بن عليٍّ قال: علَّمني رسول الله كلماتٍ أقولهنَّ في قنوت الوتر: ((اللهمَّ اهدنِي فيمَن هديت))...الحديث، وصحَّحه التِّرمذيُّ وغيره، لكنَّه ليس على شرط البخاريِّ.
          تنبيهٌ: للقنوت معانٍ كثيرةٍ، والمناسب منها هنا الدُّعاء مطلقاً أو مقيَّداً بالأذكار المخصوصة نحو: اللهمَّ اهدني...إلخ.
          وذكر ابن العربيِّ أنَّه ورد بعشرة معانٍ نظمها الحافظ زين الدِّين العراقيُّ فقال:
ولَفْظُ القُنُوتِ اعْدُدْ مَعَانِيَهُ تَجِدْ                     مَزِيْداً عَلَى عَشْرِ مَعَانِي مَرْضِيَّه
دُعَاءُ خُشُوعٍ والعِبَادَةُ طَاعَةٌ                     إِقَامَتُهَا إِقْرَارُهُ بِالعُبُودِيَّه
سُكُوتُ صَلَاةٍ والقِيَامُ وَطُولُهُ                     كَذَاكَ دَوَامُ الطَّاعَةِ الرَّابِحُ القُنْيَه
          انتهى.