إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أمرنا النبي بسبع عيادة المريض واتباع الجنائز

          5849- وبه قال: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ) بن عقبة قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (عَنْ أَشْعَثَ) بن أبي الشَّعثاء (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ(1) بْنِ مُقَرِّنٍ) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة (عَنِ البَرَاءِ) بن عازبٍ ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلعم بِسَبْعٍ) أي: بسبع خصالٍ، فتمييزُ(2) العدد محذوف (عِيَادَةِ المَرِيضِ) الأصل في عِيادة: عوادة لأنَّه من عاده يعودُه فقُلبت الواو ياءً لانكسارِ ما قبلها، والمرض يكون في الجسمِ والقلب كالجهل والجُبنِ والبخلِ والنِّفاق وغيرها من الرَّذائلِ، وإطلاق المرضِ على ذلك مجازٌ، والمراد هنا الأوَّل وهو الحقيقيُّ (وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ) افتعالٌ، من اتَّبع(3) يتَّبع، ويكون تارةً بالجسم، وتارةً بالارتسام والائتمار، ومن المحتملِ لهما قوله تعالى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}[الكهف:66] أي‼ أتبعك بجسمِي، أو ألتزم ما تفعله وأقتفِي فيه أثرَك، والَّذي هنا يحتملهما أيضًا، وعلى ذلك ينبنِي الخلافُ في أنَّ الأفضل المشي خلفها أو أمامها؛ لأنَّه إن كان أمامها فهو تابعٌ لها معنًى (وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ) بالشين المعجمة وتُهْمَل، وهو أن يقولَ للعاطس: يرحمكَ الله. وقيل: التَّشميت مأخوذٌ من شماتة العدوِّ، وهو فرحه بما يسوءُ، فإمَّا أن يكون المراد هنا الدُّعاء له بأن لا يكون في حالة يشمت به فيها، وإمَّا أن يكون أنَّك إذا دعوتَ له بالرَّحمة فقد أدخلتَ على الشَّيطان ما يُسخِطه ويُسرُّ العاطس بذلك، فيكون شماتةً بالشَّيطان، وقيل غير ذلك، والأربعُ الباقية من السَّبع: إجابةُ الدَّاعي، وإفشاءُ السَّلام، ونصرُ المظلوم، وإبرارُ القسم(4)، والأمرُ المذكور المراد به المطلقُ في الإيجابِ والنَّدب؛ لأنَّ بعضَها إيجابٌ وبعضها ندبٌ، وليس ذلك من استعمالِ اللَّفظ في حقيقتهِ ومجازهِ / لأنَّ ذاك(5) إنَّما هو في صيغةِ أفعل، أمَّا لفظ الأمر فيُطلق عليهما حقيقةً على المرجَّح(6) لأنَّه حقيقة في القولِ المخصوص، فاتِّباع الجنائزِ فرض كفايةٍ، وكذا إجابة الدَّاعي لوليمةِ النِّكاح.
          (وَنَهَانَا) صلعم ، وزاد أبو ذرٍّ: ”عن سبعٍ“ (عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ) ما رقَّ من ثياب الحرير، وعطفَه على الحرير ليفيد النَّهي عنه بخصوصهِ؛ لأنَّه صار جنسًا مستقلًّا بنفسه (وَ) عن (القَسِّيِّ) بفتح القاف وتشديد السين المهملة مكسورة، والتحتية، والأصل القَزّي _بالزاي بدل السين_ فأبدلت سينًا، والصَّواب تفسيرها(7) بما في «مسلم» عن عليٍّ أنَّها ثيابٌ مصبغةٌ(8) يؤتى بها من مصر والشَّام فيها شِبه(9)، وفي «البخاريِّ» «حرير أمثال الأُتْرُنج» [خ¦77/28-8689]. وفي «أبي داود»: «من الشأم أو مصر مصبغة فيها أمثالُ الأترج»(10) (وَالإِسْتَبْرَقِ، وَمَيَاثِرِ الحُمْرِ) ولأبي ذرٍّ: ”والمياثر الحمر“ وهذه المنهيَّات كلُّها للتَّحريم بخلاف الأوامر فإنَّها على ما سبق، والتَّقييد بالحُمْر لا اعتبار بمفهومهِ إذا كانت من الحرير، والاثنان المكمِّلان للسَّبع خواتم الذَّهب وأواني الفضَّة.
          وهذا الحديث مرَّ مختصرًا في: «باب لُبْس القَسِّيِّ» [خ¦5838] ومطوَّلًا في(11) «الجنائز» [خ¦1239].


[1] في (د) زيادة: «مصغرًا».
[2] في (ص) و(د): «تمييز».
[3] في (د): «تبع».
[4] في (ب): «المقسم».
[5] في (د): «ذلك».
[6] في (ص): «المرجوح».
[7] في (ص): «تفسيرهما».
[8] كذا هنا، والذي في المراجع: «مضلعة».
[9] في (س): «شية».
[10] قوله: «وفي أبي داود: من الشأم أو مصر مصبغة فيها أمثالُ الأترج»: ليس في (د). وفي مطبوع أبي داود «مضلَّعة».
[11] في (ص) زيادة: «باب».