إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك

          5827- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) بفتح الميمين وسكون العين المهملة بينهما، عبد الله بن عَمرو ابن أبي الحجَّاج المُقْعَد البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بن سعيد(1) بنِ ذكوان التَّيميُّ، مولاهم البصريُّ التَّنوريُّ(2) (عَنِ الحُسَيْنِ) بضم الحاء، ابن ذكوان المعلم البصريُّ الثِّقة (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ) بضم الموحدة، ابن الحُصَيب الأسلميِّ التَّابعيِّ، قاضي مرو وعالِمها (عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ) بفتح التحتية والميم بينهما عين(3) مهملة ساكنة، قاضي مرو التَّابعيِّ أيضًا (حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ) بكسر الدال‼ المهملة بعدها تحتية ساكنة، ولأبي ذرٍّ: ”الدُّؤلي“ بضم الدال بعدها همزة مفتوحة، التَّابعيُّ الكبير، قاضي البصرة (حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ) جُنْدَبَ بنَ جُنادَةَ ( ☺ حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلعم وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهْوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ) قال الكِرمانيُّ: وفائدة ذكر الثَّوب والنَّوم، تقرير التَّثبُّت والإتقان فيما يرويهِ في آذان السَّامعين ليتمكَّن في قلوبهم (فَقَالَ) صلعم : (مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ) قال أبو ذرٍّ: (قُلْتُ): يا رسول الله (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ) صلعم : (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) لأنَّ الكبيرةَ لا تسلبُ اسم الإيمان، ولا تحبط الطَّاعة، ولا تخلِّد صاحبها في النَّار، بل عاقبته أن يدخل الجنَّة. قال أبو ذرٍّ: (قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ) صلوات الله عليه وسلامه: (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) قال أبو ذرٍّ(4): (قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ) ╕ : (وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ) من رغم إذا لصق بالرَّغام وهو التُّراب، ويستعملُ مجازًا بمعنى كره أو ذلَّ إطلاقًا لاسم السَّبب على المسبَّب، وتكرير أبي ذرٍّ قوله: وإنْ زنى وإن سرقَ، استعظامًا لشأن الدُّخول مع اقترافِ الكبائر وتعجُّبه من ذلك، وتكرير النَّبيِّ صلعم ذلك(5) لإنكارهِ / استعظامه وتحجيرهِ واسعًا، فإنَّ رحمة الله تعالى واسعة (وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا) الحديث (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”يقول“ بلفظ المضارع: (وَإِنْ رَغِمَ) بكسر المعجمة وتفتح، ذلَّ (أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ) وأبدى صاحب «الكواكب» سؤالًا فقال: فإن قلت: مفهوم الشَّرط أنَّ من لم يزن لم يدخلِ الجنَّة، وأجاب: بأنَّ هذا الشَّرط للمبالغة والدُّخول له بالطَّريق الأولى نحو «نِعْمَ العبدُ صهيب لو لم يَخَفِ اللهَ لم يَعْصِهِ».
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) المصنِّف مفسِّرًا(6) للحديث: (هَذَا) الَّذي قاله صلعم وهو: «ما من عبدٍ قال: لا إله إلا الله...» إلى آخره، إنَّما يكون (عِنْدَ المَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ) من الذُّنوب (وَنَدِمَ) عليها (وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ غُفِرَ لَهُ) وأُدخل الجنَّة. قال السَّفاقسيُّ: وهذا الَّذي قالهُ مخالفٌ لظاهرِ الحديث إذ لو كانت التَّوبة شرطًا لم يقلْ: وإن زنى وإن سرق. والحديث على ظاهرهِ أنَّه إذا ماتَ مسلمًا دخل الجنَّة قبل النَّار أو بعدهَا، وهذا في حقوقِ الله تعالى باتِّفاق أهل السُّنَّة، أمَّا حقوقُ العباد فلا بدَّ من ردِّها عند الأكثر، أو(7) أنَّ الله تعالى يُرضِي صاحبَ الحقِّ بما شاء، وأمَّا من مات مصرًّا على الذَّنب من غير توبةٍ فمذهبُ أهل السُّنَّة أنَّه في مشيئةِ الله إن شاء عاقبهُ، وإن شاءَ عفا عنه‼، لا يُسأل عمَّا يفعل، أسأله العفوَ والعافية، وأستعيذُ بوجههِ الكريم من النَّار، إنَّه جوادٌ كريمٌ رؤوفٌ رحيمٌ.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ في «الإيمان».


[1] في (د): «سعد».
[2] في (د): «التبوذكي».
[3] «عين»: ليست في (د).
[4] «قال أبو ذر»: ليست في (د).
[5] «ذلك»: ليست في (ص) و(م).
[6] في (د): «تفسيرًا».
[7] في (م): «و».