إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي موسى: أطعموا الجائع وعودوا المريض

          5649- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) أبو رجاءٍ البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح اليشكريُّ (عَنْ مَنْصُورٍ) هو ابنُ المعتمر (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) شقيق بنِ سلمة (عَنْ أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيس (الأَشْعَرِيِّ) ╩ أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ) في كلِّ مرضٍ، وفي(1) كلِّ زمنٍ، من غير تقييدٍ بوقت. وعند أبي داود وصحَّحه الحاكمُ من حديث زيد بن أرقم قال: «عادني رسولُ الله صلعم من وجعٍ كان بعيني» وحينئذٍ فاستثناء بعضِهم من العمومِ عيادة الأرمد معلِّلًا بأن العائدَ يرى ما لا يراهُ الأرمدُ متعقَّب بأنَّه قد يتأتَّى(2) مثلُ ذلك في بقيَّة الأمراضِ كالمغمَى عليه، والاستدلالُ للمنعِ بحديثِ البيهقيِّ والطَّبرانيِّ مرفوعًا: «ثلاثةٌ ليس لهم عيادةٌ: العينُ والدُّمَّل(3) والضِّرس» ضعيفٌ لأنَّ البيهقيَّ صحَّح أنَّه موقوفٌ على يحيى بن أبي كثير، وجزمُ الغزاليُّ في «الإحياء» بأنَّ المريض لا يُعاد إلَّا بعد ثلاث مستندًا لحديث أنس عند ابن ماجه «كان النَّبيُّ صلعم لا يعود مريضًا إلَّا بعد ثلاث». تُعُقِّبَ بأنَّ الحديثَ ضعيفٌ جدًّا لأنَّه تفرَّد به مسلمة(4) بن عليٍّ، وهو متروكٌ‼، وسئل عنه أبو حاتم فقال: حديثٌ باطل، لكن للحديثِ شاهد من حديث أبي هريرة عند الطَّبرانيِّ في «الأوسط» وفيه راوٍ متروك أيضًا، قاله في «الفتح» وقال شيخُنا الشَّمس السَّخاويُّ: وللحديث أيضًا طرقٌ أُخرى بمجموعها يقوى، ولهذا أخذَ به النُّعمان بنُ أبي عيَّاش(5) الزُّرقيُّ أحد التَّابعين من فُضلاء أبناء الصَّحابة، فقال: عيادةُ المريض بعد ثلاث. والأعمش(6) ولفظه: كنَّا نقعد في المجلس، فإذا فقدنَا الرَّجل ثلاثة أيَّامٍ سألنا عنه، فإن كان مريضًا عدناهُ.
          وهذا يشعرُ بعدم انفرادهِ، وليس في صريحِ الأحاديث ما يخالفُه، ومن آداب العيادة عدمُ تطويل الجلوس، فربَّما يشقُّ على المريض، أو على أهله.
          (وَفُكُّوا العَانِيَ) بالعين المهملة والنون المكسورة المخففة، أي: خلِّصوا الأسير ولو(7) بالفداء، وإطلاقُ المؤلِّف وجوبَ العيادةِ عملًا بظاهرِ الأمر في الحديث، ونقلَ النَّوويُّ الإجماع على عدمِ الوجوب؛ يعني على الأعيانِ، فقد يجبُ على الكفايةِ كإطعامِ الجائعِ، وفكِّ الأسير.
          وسيكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بعونه وقوَّته إلى زيادة المبحث في ذلك.


[1] في (م): «من».
[2] في (م) و(د): «معقب بأنه سيأتي».
[3] في (م): «الرمد».
[4] في (م): «سلمة».
[5] في (م) و(د): «عباس».
[6] «والأعمش»: ليست في (م).
[7] «ولو»: زيادة من (م).