إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن عمر سأل النبي قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف

          2032- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مُسَرْهَدٍ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطَّان (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين ابن عمر العمريِّ قال: (أَخْبَرَنِي)(1) بالإفراد (نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ : أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلعم ) بالجِعْرانة لمَّا رجعوا من حُنَينٍ كما في «النَّذر» [خ¦6697] (قَالَ / : كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ) أي: حول الكعبة، ولم يكن في عهده صلعم ولا أبي بكرٍ جدارٌ، بل الدُّور حول البيت وبينها أبوابٌ لدخول النَّاس، فوسَّعه عمر ☺ بدورٍ اشتراها وهدمها واتَّخذها للمسجد جدارًا قصيرًا دون القامة، ثمَّ تتابع النَّاس على عمارته وتوسيعه (قَالَ) ╕ له: (أَوْفِ بِنَذْرِكَ) الذي نذرته في الجاهليَّة، أي: على سبيل النَّدب، وليس الأمر للإيجاب(2)، واستدلَّ به على جواز الاعتكاف بغير صومٍ لأنَّ اللَّيل ليس ظرفًا للصَّوم، فلو كان شرطًا لأمره النَّبيُّ صلعم به، لكن عند مسلمٍ من حديث سعيدٍ عن عبيد الله: «يومًا» بدل «ليلة» فجمع ابن حبَّان(3) وغيره بين الرِّوايتين: بأنَّه نذر اعتكاف يومٍ وليلةٍ، فمن أطلق ليلةً أراد: بيومها، ومن أطلق يومًا أراد: بليلته، وقد ورد الأمر بالصَّوم في رواية عمرو بن دينارٍ عن ابن عمر صريحًا، لكنَّ إسنادها ضعيفٌ، وقد زاد فيها: أنَّه صلعم قال له: «اعتكف وصم» أخرجه أبو داود والنَّسائيُّ من طريق عبد الله بن بُدَيلٍ وهو ضعيفٌ، وقد(4) ذكر ابن عديٍّ والدَّارقُطنيُّ: أنَّه تفرَّد بذلك عن عمرو بن دينارٍ، ورواية من روى: «يومًا» شاذَّةٌ، وقد وقع في رواية سليمان بن بلالٍ الآتية _إن شاء الله تعالى_ [خ¦2042] «فاعتكفَ ليلةً» فدلَّ على أنَّه لم يزده على نذره شيئًا، وأنَّ الاعتكاف لا صوم فيه، قاله في «فتح الباري»، وهذا مذهب الشَّافعيَّة والحنابلة، وعن أحمد أيضًا(5): لا يصحُّ بغير صومٍ، والأوَّل هو الصَّحيح عندهم وعليه أصحابهم، وقال المالكيَّة والحنفيَّة: لا يصحُّ إلَّا بصومٍ‼، واحتجُّوا: بأنَّه صلعم لم يعتكف إلَّا بصومٍ، وفيه نظرٌ لما في الباب الذي بعده [خ¦2033] «أنَّه اعتكف في شوَّالٍ»، واستُشكِل قوله: «نذرت في الجاهليَّة...» إلى آخره، إذ ظاهره: أنَّه الوقت الذي كان هو فيه على الجاهليَّة لأنَّ الصَّحيح أنَّ نذر الكافر غير صحيحٍ، وأُجيب بأنَّ المراد أنَّه نذر بعد إسلامه في زمن لا يقدر أن يفي بنذره فيه لمنع الجاهليَّة للمسلمين من دخول مكَّة ومن الوصول إلى الحرم، وهذا مردودٌ بما أخرجه الدَّارقُطنيُّ من طريق سعيد بن بشيرٍ عن عبيد الله(6) بلفظ: «نذر عمر أن يعتكف في الشِّرك»، فهو(7) صريحٌ في أنَّ نذره كان قبل إسلامه في الجاهليَّة، فالمراد من قوله ╕ له: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ» على سبيل النَّدب لا على سبيل الوجوب لعدم أهليَّة الكافر للتَّقرُّب، فحملُه على النَّدب أَولى؛ إذ لا يحسن تركه بالإسلام ما عزم عليه في الكفر من الخير، والله أعلم، وعند الحنابلة: يصحُّ النَّذر من الكافر، وعبارة المرداويِّ في «تنقيح المقنع»: النَّذر مكروهٌ، وهو إلزام(8) مُكلَّفٍ مختارٍ _ولو كافرًا_ بعبادةٍ نصًّا نفسَه لله تعالى.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «الاعتكاف» [خ¦2042]، وأخرجه مسلمٌ في «الأيمان والنُّذور»، وكذا أبو داود والتِّرمذيُّ، وأخرجه(9) النَّسائيُّ فيه وفي «الاعتكاف»، وأخرجه ابن ماجه في «الصِّيام».


[1] في (م): «أخبرنا»، وليس بصحيح.
[2] قوله: «أي: على سبيل النَّدب، وليس الأمر للإيجاب» مثبت من (ب) و(س).
[3] في (م): «حيَّان»، وهو تصحيفٌ.
[4] «قد»: مثبت من (ب) و(س).
[5] «أيضًا»: ليس في (م).
[6] في غير (س): «عبد الله»، وهو تحريفٌ.
[7] في (ب) و(س): «فهذا».
[8] في (م): «التزام».
[9] «وأخرجه»: ليس في (ص).