إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان

          2027- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن عبد الله بن أبي أويسٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) الإمام (عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الهَادِ) بغير ياءٍ بعد الداَّل (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ☺ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ) ذكَّره(1) باعتبار لفظ «العشر»، أو باعتبار الوقت أو الزَّمان، ورواه بعضهم: ”الوُسُط“ بضمِّ السِّين (فَاعْتَكَفَ عَامًا) مصدر «عَامَ» إذا سبح، يُقال: عام يعوم عومًا وعامًا، فالإنسان يعوم في دنياه على الأرض طول حياته حتَّى يأتيه الموت فيغرق فيها، أي: اعتكف في شهر رمضان في عامٍ (حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ) بنصب «ليلةَ» في الفرع وغيره، وضبطه بعضهم بالرَّفع فاعلًا بـ «كان» التَّامَّة؛ بمعنى: ثبت ونحوه، والمراد: حتَّى إذا كان استقبال ليلة إحدى وعشرين؛ لأنَّ المعتكف العشر الأوسط إنَّما يخرج قبل دخول ليلة الحادي والعشرين؛ لأنَّها من العشر الأخير، وقد صرَّح به في رواية هشامٍ في «باب التماس ليلة القدر» [خ¦2016] إنَّما كان في اليوم العشرين، وقد مرَّ تقريره هناك أيضًا (وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ صَبِيحَتَهَا) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”من صبيحتها“ (مِنِ اعْتِكَافِهِ؛ قَالَ) ╕ : (مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي) أي: في العشر الأوسط (فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”فقد“ (أُرِيتُ) بضمِّ الهمزة (هَذِهِ اللَّيْلَةَ) بالنَّصب مفعولٌ به لا ظرفٌ، أي: رأيت / ليلة القدر (ثُمَّ أُنْسِيتُهَا) قال القفَّال(2) في «العدَّة» فيما حكاه الطَّبريُّ: ليس معناه أنَّه رأى اللَّيلة(3) أو الأنوار عيانًا ثمَّ نسي في أيِّ ليلةٍ رأى ذلك لأنَّ مثل هذا قلَّ أن يُنسَى، وإنَّما رأى أنَّه قيل له: ليلةُ القدر ليلة كذا وكذا، ثمَّ نسي كيف قيل له (وَقَدْ رَأَيْتُنِي) بضمِّ التَّاء، أي: رأيت نفسي (أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا) يحتمل أن تكون «من» بمعنى «في» كما في قوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ}[الجمعة:9] أو هي لابتداء الغاية الزَّمانيَّة (فَالتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ) من رمضان (وَالتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ) منه (فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ) بفتح الميم والطَّاء (تِلْكَ اللَّيْلَةَ) يُقال في اللَّيلة الماضية: اللَّيلة، إلى أن تزول الشَّمس فيُقال حينئذٍ: البارحة (وَكَانَ المَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ) أي: مُظلَّلًا بجريدٍ ونحوه ممَّا يستظلُّ به؛ يريد(4)‼: أنَّه لم يكن له سقفٌ يُكِنُّ من المطر (فَوَكَفَ المَسْجِدُ) أي: سال ماء المطر من سقف المسجد (فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ) بضمِّ الصَّاد (رَسُولَ اللهِ صلعم عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ المَاءِ وَالطِّينِ، مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ) أي: تصديق رؤياه كما في رواية همَّامٍ السَّابقة في «الصَّلاة» [خ¦813].


[1] في (م): «ذُكِّر».
[2] زيد في (ص): «في قوله».
[3] زيد في (م): «عيانًا».
[4] في غير (س): «يُراد».