-
فاتحة الكتاب
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
[كتاب التيمم]
-
كتاب الصلاة
-
[كتاب مواقيت الصلاة]
-
[كتاب الأذان]
-
كتاب الجمعة
-
[أبواب صلاة الخوف]
-
[كتاب العيدين]
-
[كتاب الوتر]
-
[كتاب الاستسقاء]
-
[كتاب الكسوف]
-
[أبواب سجود القرآن]
-
[أبواب تقصير الصلاة]
-
[أبواب التهجد]
-
[كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة]
-
[أبواب العمل في الصلاة]
-
[أبواب السهو]
-
[ كتاب الجنائز]
-
[كتاب الزكاة]
-
[أبواب صدقة الفطر]
-
كتاب الحج
-
باب وجوب الحج وفضله
-
باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر}
-
باب الحج على الرحل
-
باب فضل الحج المبرور
-
باب فرض مواقيت الحج والعمرة
-
باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
-
باب مهل أهل مكة للحج والعمرة
-
باب ميقات أهل المدينة ولا يهلوا قبل ذى الحليفة
-
باب مهل أهل الشام
-
باب مهل أهل نجد
-
باب مهل من كان دون المواقيت
-
باب مهل أهل اليمن
-
باب: ذات عرق لأهل العراق
-
باب [نزول البطحاء والصلاة بذي الحليفة]
-
باب خروج النبي على طريق الشجرة
-
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العقيق واد مبارك
-
باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب
-
باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن
-
باب من أهل ملبدًا
-
باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة
-
باب ما لا يلبس المحرم من الثياب
-
باب الركوب والارتداف في الحج
-
باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر
-
باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح
-
باب رفع الصوت بالإهلال
-
باب التلبية
-
باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب
-
باب من أهل حين استوت به راحلته
-
باب الإهلال مستقبل القبلة
-
باب التلبية إذا انحدر في الوادي
-
باب: كيف تهل الحائض والنفساء
-
باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي
-
باب قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج}
-
باب التمتع والإقران والإفراد بالحج
-
باب من لبى بالحج وسماه
-
باب التمتع
-
باب قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}
-
باب الاغتسال عند دخول مكة
-
باب دخول مكة نهارًا أو ليلًا
-
باب: من أين يدخل مكة؟
-
باب: من أين يخرج من مكة؟
-
باب فضل مكة وبنيانها
-
باب فضل الحرم
-
باب توريث دور مكة وبيعها
-
باب نزول النبي مكة
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا}
-
باب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}
-
باب كسوة الكعبة
-
باب هدم الكعبة
-
باب ما ذكر في الحجر الأسود
-
باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء
-
باب الصلاة في الكعبة
-
باب من لم يدخل الكعبة
-
باب من كبر في نواحي الكعبة
-
باب كيف كان بدء الرمل
-
باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا
-
باب الرمل في الحج والعمرة
-
باب استلام الركن بالمحجن
-
باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين
-
باب تقبيل الحجر
-
باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه
-
باب التكبير عند الركن
-
باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته
-
باب طواف النساء مع الرجال
-
باب الكلام في الطواف
-
باب: إذا رأى سيرًا أو شيئًا يكره في الطواف قطعه
-
باب: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك
-
باب: إذا وقف في الطواف
-
باب: صلى النبي لسبوعه ركعتين
-
باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة
-
باب من صلى ركعتي الطواف خارجًا من المسجد
-
باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام
-
باب الطواف بعد الصبح والعصر
-
باب المريض يطوف راكبًا
-
باب سقاية الحاج
-
باب ما جاء في زمزم
-
باب طواف القارن
-
باب الطواف على وضوء
-
باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله
-
باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة
-
باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.
-
باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج
-
باب: أين يصلي الظهر يوم التروية؟
-
باب الصلاة بمنى.
-
باب صوم يوم عرفة
-
باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة
-
باب التهجير بالرواح يوم عرفة
-
باب الوقوف على الدابة بعرفة
-
باب الجمع بين الصلاتين بعرفة
-
باب قصر الخطبة بعرفة
-
باب التعجيل إلى الموقف
-
باب الوقوف بعرفة
-
باب السير إذا دفع من عرفة
-
باب النزول بين عرفة وجمع
-
باب أمر النبي بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط
-
باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة
-
باب من جمع بينهما ولم يتطوع
-
باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما
-
باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون
-
باب من يصلي الفجر بجمع
-
باب: متى يدفع من جمع؟
-
باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة
-
باب: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
-
باب ركوب البدن
-
باب من ساق البدن معه
-
باب من اشترى الهدي من الطريق
-
باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم
-
باب فتل القلائد للبدن والبقر
-
باب إشعار البدن
-
باب من قلد القلائد بيده
-
باب تقليد الغنم
-
باب القلائد من العهن
-
باب تقليد النعل
-
باب الجلال للبدن
-
باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها
-
باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن
-
باب النحر في منحر النبي بمنى
-
باب نحر الإبل مقيدة
-
باب نحر البدن قائمة
-
باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئًا
-
باب يتصدق بجلود الهدي
-
باب: يتصدق بجلال البدن
-
باب: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت}
-
باب: ما يأكل من البدن وما يتصدق
-
باب الذبح قبل الحلق
-
باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق
-
باب الحلق والتقصير عند الإحلال
-
باب تقصير المتمتع بعد العمرة
-
باب الزيارة يوم النحر
-
باب: إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا أو جاهلًا
-
باب الفتيا على الدابة عند الجمرة
-
باب الخطبة أيام منى
-
باب: هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟
-
باب رمي الجمار
-
باب رمي الجمار من بطن الوادي
-
باب رمي الجمار بسبع حصيات
-
باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره
-
باب: يكبر مع كل حصاة
-
باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف
-
باب: إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة
-
باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى
-
باب الدعاء عند الجمرتين
-
باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة
-
باب طواف الوداع
-
باب: إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت
-
باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح
-
باب المحصب
-
باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة
-
باب من نزل بذى طوى إذا رجع من مكة
-
باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية
-
باب الإدلاج من المحصب
-
باب وجوب الحج وفضله
-
[أبواب العمرة]
-
[أبواب المحصر]
-
[كتاب جزاء الصيد]
-
[أبواب فضائل المدينة]
-
كتاب الصوم
-
[كتاب صلاة التراويح]
-
باب فضل ليلة القدر
-
[أبواب الاعتكاف]
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
[كتاب الشفعة]
-
[كتاب الإجارة]
-
[كتاب الحوالة]
-
[كتاب الكفالة]
-
كتاب الوكالة
-
[كتاب المزارعة]
-
[كتاب المساقاة]
-
[كتاب الاستقراض]
-
[كتاب الخصومات]
-
[كتاب في اللقطة]
-
[كتاب المظالم]
-
[كتاب الشركة]
-
[كتاب الرهن]
-
[كتاب العتق]
-
[كتاب المكاتب]
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
[كتاب الصلح]
-
[كتاب الشروط]
-
كتاب الوصايا
-
[كتاب الجهاد والسير]
-
[كتاب فرض الخمس]
-
[كتاب الجزية والموادعة]
-
كتاب بدء الخلق
-
[كتاب أحاديث الأنبياء]
-
[كتاب المناقب]
-
[كتاب فضائل الصحابة]
-
[كتاب مناقب الأنصار]
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
[كتاب] فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
[كتاب الحيل]
-
[كتاب التعبير]
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
[كتاب التمني]
-
[كتاب أخبار الآحاد]
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
(1) (كِتَابُ الحجُّ بِسْمِ اللهِ الرَّحَمْنِ الرَّحِيمِ باب وُجُوبِ الْحجِّ وَفَضْلِهِ) وكذا [1] لأبي ذرٍّ: تقديم البسملة على «كتاب» [2]، وسقط لغيره: البسملة وباب، نعم ثبت لفظ [3]: «باب» لابن عساكر في «اليونينيَّة» [4]، وفي نسخة: تقديم البسملة، وللأَصيليِّ فيما حكاه في «فتح الباري»: ((كتاب المناسك))، و«الحجُّ»: بفتح الحاء وكسرها، وبهما قُرِئ، فالفتح لغة أهل العالية، والكسر لغة نجدٍ، وفرَّق سيبويه بينهما؛ فجعل المكسور [5] مصدرًا واسمًا للفعل، والمفتوحَ: مصدرًا فقط، وقال ابن السِّكِّيت: بالفتح: القصد، وبالكسر: القوم الحجُّاج، وقال الجوهريُّ: والحِجَّة بالكسر: المرَّة الواحدة، وهو من الشَّواذِّ لأنَّ القياس بالفتح، وهو مبنيٌّ على اختياره أنَّه بالفتح الاسم، ومعنى الحجِّ في اللُّغة: القصد، وفي الشَّرع: عبادةٌ يلزمها وقوف بعرفة ليلة عاشر ذي الحجَّة، وطوافٌ ذي طُهْرٍ، اختصَّ بالبيت عن يساره سبعًا، والمناسك _جمع منسكٍ_: بفتح السِّين وكسرها، والنُّسك: العبادة، والنَّاسك: العابد، واختصَّ بأعمال الحجِّ والمناسك مواقف النُّسك وأعمالها، والنُّسيكة مختصَّةٌ بالذَّبيحة (وَقَوْلِ اللهِ) تعالى [6] بالجرِّ، عطفًا على سابقه، وسقط ذلك لغير أبي ذرٍّ [7] ({وَلِلَّهِ}) فرضٌ واجبٌ ({عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ}) قصدُه للزِّيارة على الوجه المخصوص الآتي بيانه إن شاء الله تعالى ({مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ) بدلٌ من {النَّاسِ} مخصِّصٌ له، والضَّمير في {إِلَيْهِ} للبيت أو للحجِّ، وكلُّ مأتىَ إلى الشَّيء فهو سبيله، وحذف الرَّابط لفهمه، أي: من استطاع منهم، كذا أعربه جمهور المعربين، لكن قال البدر الدَّمامينيُّ: يلزم عليه فصل البدل [8] والمُبدَل منه بالمبتدأ، وفيه نظرٌ. انتهى. وقال ابن هشامٍ: زعم ابن
ج3ص91
السَّيِّد أنَّ {مَنْ} فاعلٌ بالمصدر، ويردُّه أنَّ المعنى حينئذٍ: ولله على النَّاس أن يحجَّ المستطيع، فيلزم إثم جميع النَّاس إذا تخلَّف المستطيع، وتعقَّبه في «المصابيح» بأنَّه بناه على أنَّ الألف واللَّام لاستغراق الجنس، وهو ممنوعٌ لجواز كونها للعهد الذِّكريِّ، والمراد حينئذٍ بـ {النَّاسِ}: مَنْ جرى ذكره وهم المستطيعون، وذلك لأنَّ «حجُّ البيت» مبتدأٌ، والخبر قوله: «لله على النَّاس»، والمبتدأ مُقدَّمٌ على الخبر رتبةً وإن تأخَّر لفظًا، فإذا قدّمت المبتدأ وما هو من متعلَّقاته كان التَّقدير: حجُّ البيت المستطيعون حقٌّ ثابتٌ لله على النَّاس، أي: هؤلاء المذكورين، ويدلُّ عليه أنَّك لو أتيت بالضَّمير؛ سدَّ مسدَّ «ال» ومصحوبها، وهو علامة الأداة التي للعهد الذِّكريِّ؛ بل جعلُها كذلك مُقدَّمٌ على جعلها للعموم، فقد صرَّح كثيرون بأنَّه: إذا احتمل كون «ال» للعهد وكونها لغيره؛ كالجنس أو العموم فإنَّا نحملها على العهد للقرينة المرشدة إليه، ووجوب الحجِّ معلومٌ من الدِّين بالضَّرورة، ولهذه الآية، وهو أحد أركان الإسلام الخمس، ولا يتكرَّر وجوبه إلَّا لعارض نذرٍ أو قضاءٍ عارضٍ، روى مسلمٌ حديث أبي هريرة: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أيُّها النَّاس، قد فرض الله عليكم الحجَّ فحجُّوا»، فقال رجلٌ: يا رسول الله، أكلَّ عامٍ؟ فسكت حتَّى قالها ثلاثًا، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لو قلتُ: نعم لوجبت ولَما استطعتم» أي: أتأمرنا أن نحجَّ كلَّ عامٍ؟ وهذا يدلُّ على أنَّ مُجرَّد الأمر لا يفيد التَّكرار ولا المرَّة، وإلَّا لمَا صحَّ الاستفهام، وإنَّما سكت صلى الله عليه وسلم حتَّى قالها ثلاثًا زجرًا له عن السُّؤال، فإنَّ التَّقدُّم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم منهيٌّ عنه لقوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] لأنَّه صلى الله عليه وسلم مبعوثٌ لبيان الشَّرائع وتبليغ الأحكام [9]، فلو وجب الحجُّ كلَّ سنةٍ لَبيَّنه عليه الصلاة والسلام لهم لا محالة، ولا يقتصر على الأمر به مطلقًا، سواءٌ سُئِل عنه أو لم يُسأَل عنه، فيكون استعجالًا ضائعًا، ثمَّ لمَّا رأى أنَّه لا يُزجَر به ولا يقنع إلَّا بالجواب الصَّريح أجاب عنه بقوله: «لو قلت: نعم لوجبت» كل عامٍ حجَّةٌ [10]، فأفاد به أنَّه لا يجب في كلِّ عامٍ لِما في «لو» من الدَّلالة على انتفاء الشَّيء لانتفاء غيره، وأنَّه [11] لم يتكرَّر لمِا فيه من الحرج والكلف الشَّاقَّة، قاله البيضاويُّ. وتعقَّبه الطِّيبيُّ بأنَّ: الاستدلال بسؤال الرَّجل على أنَّ الأمر لا يفيد التَّكرار ولا [12] المرَّة ضعيفٌ لأنَّ الإنكار واردٌ على السُّؤال الذي لم يقع موقعه، ولهذا زجره، وقال: «ذروني ما تركتكم» يعمُّ [13] الخطاب؛ يعني: اقتصِروا على ما أمرتكم [14] به [15] على قدر استطاعتكم، فقد علم أنَّ الرَّجل لو لم يسأل لم يُفِدِ الأمر غير المرَّة، وأنَّ التَّكرار يفتقر إلى دليلٍ خارجيٍّ. انتهى. ثمَّ إنَّ الحجَّ مطلقًا إمَّا فرض عينٍ أو فرض كفايةٍ أو تطوُّعٍ، واستُشكِل تصويره، وأُجيب: بأنَّه يُتصوَّر في العبيد والصِّبيان لأنَّ الفرضين لا يتوجَّهان إليهما [16]، وبأنَّ في حجِّ من ليس عليه فرض عينٍ جهتين: جهة تطوُّعٍ من حيث إنَّه ليس عليه فرض عين، وجهة فرض كفايةٍ من حيث [17] إحياء الكعبة، قال الزَّركشيُّ: وفيه التزام السُّؤال؛ إذ لم يخلص لنا حجُّ تطوُّعٍ على حدته، وفي الأوَّل التزامه بالنِّسبة للمُكلَّفين، ثمَّ إنَّه لا يبعد وقوعه من غيرهم فرضًا، ويسقط به فرض الكفاية عن المُكلَّفين كما في الجهاد وصلاة الجنازة. انتهى.
واختُلِف: هل هو على الفور أو على [18] التَّراخي؟ فعند الشَّافعيَّة على التَّراخي لأنَّ الحجَّ فُرِض سنة خمسٍ كما جزم به الرَّافعيُّ في «كتاب الحجِّ»، أو سنة ستٍّ كما صحَّحه في «السِّير» [19]، وتبعه عليه في «الرَّوضة»، ونقله في «شرح المُهذَّب» عن الأصحاب، وعليه الجمهور لأنَّه نزل فيها قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وهذا ينبني على أنَّ المراد بالإتمام: ابتداء الفرض، ويؤيِّده ما أخرجه الطَّبريُّ بأسانيد صحيحةٍ عن علقمة ومسروقٍ وإبراهيم النَّخعيِّ أنَّهم قرؤوا: «وأقيموا الحجَّ»، وقِيلَ: المراد بالإتمام: الإكمال بعد الشُّروع، وهو يقتضي تقدُّم فرضه قبل ذلك، وقد أخَّره صلى الله عليه وسلم إلى سنة عشرٍ من غير مانعٍ، فدلَّ على التَّراخي، وإليه ذهب اللَّخميُّ وصاحب المقدِّمات والتِّلمسانيُّ من المالكيَّة، وحكى ابن القصَّار عن مالكٍ: أنَّه على الفور، وتابعه العراقيُّون، وشهَّره صاحب «الذَّخيرة» [20] وصاحب «العدَّة» وابن بَزِيزَة، لكنَّ القول بالتَّراخي مُقيَّدٌ بعدم
ج3ص92
خوف الفوات، والاستطاعة: الزَّاد والرَّاحلة كما فسَّره صلى الله عليه وسلم، وهو يؤيِّد قول الشَّافعيِّ: إنَّها بالمال، ولذلك أوجب الاستنابة على الزَّمِن إذا وجد أجرة من ينوب عنه، وقال مالكٌ: بالبدن، فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطَّريق، وقال أبو حنيفة: بمجموع الأمرين. ثمَّ إنَّ اليهود حين أُمِروا بالحجِّ قالوا: ما وجب علينا؟ فنزل قوله تعالى: ({وَمَنْ كَفَرَ}) أي: جحد فريضة الحجِّ ({فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] ) فلا يضرُّه كفرهم ولا ينفعه إيمانهم، وقال البيضاويُّ: وضع {كَفَرَ} موضع من لم يحجَّ تأكيدًا لوجوبه وتغليظًا على تاركه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «من مات ولم يحجَّ فليمت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا»، وقد أكَّد أمر الحجِّ في هذه الآية من وجوه الدَّلالة على وجوبه بصيغة الخبر، وإبرازه في الصُّورة الاسميَّة، وإيراده على وجهٍ يفيد أنَّه حقٌّ واجبٌ لله في رقاب النَّاس [21]، وتعميم الحكم أوَّلًا وتخصيصه ثانيًا [22]، فإنَّه كإيضاحٍ بعد إبهامٍ، وتثنيةٍ [23] وتكريرٍ للمراد، وتسمية ترك الحجِّ كفرًا من حيث إنَّه فعل الكَفَرة، وذكر الاستغناء عنه بالبرهان والإشعار بعظم [24] السُّخط؛ لأنَّه تكليفٌ شاقٌّ جامعٌ بين كسر النَّفس وإتعاب البدن وصرف المال والتَّجرُّد عن الشَّهوات والإقبال على الله. انتهى. وهذا أخذه من قول الزَّمخشريِّ، لكنَّ عبارته: جعل {وَمَن كَفَرَ} عوضًا عن «ومن لم يحجَّ» تغليظًا إلى آخر الحديث، واستشكله ابن المُنيِّر بأنَّ تاركه لا يكفر بمُجرَّد تركه، فتعيَّن حمله على تاركه جاحدًا لوجوبه، فالكفر يرجع إلى الاعتقاد، قال: والزَّمخشريُّ سهل عليه ذلك لأنَّه يعتقد أنَّ تارك الحجِّ يخرج عن الإيمان ويخلد في النَّار، ويحتمل أن يكون قوله: {وَمَن كَفَرَ} استئنافُ وعيدٍ للكافرين.
ج3ص93
[1] في (م): «كذا».
[2] «تقديم البسملة على الكتاب»: ليس في (م).
[3] «لفظ»: ليس في (د).
[4] قوله: «نعم؛ ثبت لفظ: باب لابن عساكر في اليونينيَّة»، ليس في (م).
[5] في (ص) و(م): «الكسر».
[6] في (د): «وقوله تعالى».
[7] في (د) و(م): «الأَصيليِّ»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[8] في (ص): «المبدل»، وهو تحريفٌ.
[9] في (ص): «لتبليغ الشَّرائع وبيان الأحكام»، وفي هامش (ص): (قوله: «لتبليغ الشَّرائع...» إلى آخره، الذي في خطِّه: لبيان الشَّرائع، وتبليغ الأحكام). انتهى.
[10] «حجَّةٌ»: ليس في (د).
[11] في (د): «وإن».
[12] زيد في (د): «ولا»، وهو تكرارٌ.
[13] في (د): «فعمَّ»، وفي (م): «نعم»، وهو تحريفٌ.
[14] في (م): «أمركم».
[15] «به»: ليس في (ص).
[16] «إليهما»: ليس في (ص) و(م)، وفي (د): «إليهم».
[17] في (د): «من جهة».
[18] «على»: ليس في (م).
[19] في (م): «السُّنن».
[20] في (د): «الدَّخيرة»، وهو تصحيفٌ.
[21] في (د): «المسلمين».
[22] «ثانيًا»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[23] «وتثنيةٍ»: ليس في (ص)، وفي (م): «تنبيهٍ»، وهو تصحيفٌ.
[24] في (د): «بعدم»، وهو تحريفٌ.