إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة

          7132- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحَكَم بن نافعٍ قال(1): (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي)‼ بالإفراد (عُبَيْدُ اللهِ) بضمِّ العين (بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ) سعد بن مالكٍ الخدريّ ☺ (قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ) ولأبي ذرٍّ: ”النَّبيُّ“(2) ( صلعم يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ أَنَّهُ قَالَ: يَأْتِي الدَّجَّالُ) إلى ظاهر المدينة (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ) بكسر النُّون، جمع «نَقْبٍ» بفتحها وسكون القاف؛ مثل «حبلٍ وحبال» و«كلبٍ وكلابٍ»: طريقٌ بين الجبلين أو بقعةٌ بعينها (فَيَنْزِلُ) بالفاء، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ينزل“ (بَعْضَ السِّبَاخِ) بكسر السِّين المهملة وتخفيف الموحَّدة وبعد / الألف(3) خاءٌ معجمةٌ، جمع سبخةٍ: أرضٌ لا تُنبت شيئًا لملوحتها، خارج المدينة من غير جهة الحرَّة؛ وهي (الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ) من قبل(4) الشَّام (فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ) من المدينة (يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَ(5)هْوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خِيَارِ(6) النَّاسِ) قيل: هو الخضر (فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلعم حَدِيثَهُ) وفي رواية عطيَّة عن أبي سعيدٍ عند أبي يَعلى والبزَّار: فيقول: «أنت الدَّجَّال الكهَّان(7) الذي أنذرَناه رسول الله(8) صلعم »، وزاد: «فيقول له الدَّجَّال: لتطيعني فيما آمرك به أو لأشقنَّك شقَّتين، فينادي: يا أيُّها النَّاس؛ هذا المسيح الكذَّاب» (فَيَقُولُ الدَّجَّالُ) أي: لأوليائه كما في رواية عطيَّة: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا) الرَّجل، أي: الذي خرج إليه (ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ؛ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟) أي: الذي يدَّعيه من الإلهيَّة (فَيَقُولُونَ) أي: أولياؤه من أتباعه: (لَا، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ) وفي حديث عطيَّة: فيأمر به فتُمدُّ رجلاه(9)، ثمَّ يأمر بحديدةٍ، فتوضع على عجب ذنبه، ثمَّ يشقُّه شقَّين(10)، ثمَّ قال الدَّجَّال لأوليائه: أرأيتم إن أحييت لكم هذا، ألستم تعلمون أنِّي ربُّكم؟ فيقولون: نعم، فأخذ عصاه فضرب إحدى شقّيه(11)، فاستوى قائمًا، فلمَّا رأى ذلك أولياؤه؛ صدَّقوه وأيقنوا بذلك أنَّه ربُّهم، وعطيَّة ضعيفٌ، وفي حديث عبد الله بن مُعتَمرٍ بسندٍ ضعيفٍ جدًّا: ثمَّ يدعو برجلٍ فيما يَرون، فيأمر به فيُقتَل، ثمَّ تُقطَّع أعضاؤه كلُّ عضوٍ على حدةٍ، فيُفرَّق بينها حتَّى يراه النَّاس، ثمَّ يجمعها، ثمَّ يضرب بعصاه، فإذا هو قائمٌ، فيقول: أنا الله(12) الذي أميت وأُحيي، قال: وذلك كلُّه سحرٌ يُسحِر(13) أعين النَّاس ليس يعمل من ذلك شيئًا، وفي رواية أبي الودَّاك(14) عن أبي سعيد عند مسلم: «فيأمر به الدَّجَّال فَيُشْبَح فيقول: خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضربًا قال: فيقول: أما تؤمن بي؟ قال: فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فيوشر بالميشار من مفرقه(15) حتَّى يُفرَّق بين رجليه، قال: ثمَّ يمشي الدَّجَّال بين القطعتين، ثم يقول له: قم فيستوي قائمًا، ثمَّ يقول له: أتؤمن بي؟» (فَيَقُولُ) الرَّجل: (وَاللهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ) لأنَّ رسول الله صلعم أخبر أنَّ ذلك(16)‼ من جملة علاماته، وفي رواية أبي الودَّاك: «ما ازددت فيك إلَّا بصيرةً، ثمَّ يقول: يا أيُّها النَّاس؛ إنه لا يفعل بعدي بأحدٍ من النَّاس»، وفي رواية عطيَّة: فيقول له الرَّجل(17): أنا الآن أشدُّ بصيرةً فيك منِّي، ثمَّ ينادي: يا أيُّها النَّاس؛ هذا المسيح الكذَّاب(18) من أطاعه فهو في النَّار، ومن عصاه فهو في الجنَّة (فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ) و(19)في رواية أبي الودَّاك: «فيأخذه الدَّجَّال ليذبحه، فيُجعَل ما بين رقبته إلى ترقوته(20) نحاس فلا يستطيع إليه سبيلًا»، وفي «صحيح مسلم» عقب رواية عبيد(21)الله بن عبد الله بن عتبة: قال أبو إسحاق يُقال: إنَّ هذا الرَّجل هو الخضر، وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمَّد بن سفيان الزَّاهد راوي «صحيح مسلم» عنه، لا السَّبيعيّ كما ظنَّه القرطبيُّ، قال في «الفتح»: ولعلَّ مستنده في ذلك ما في «جامع معمرٍ» بعد ذكر هذا الحديث، قال معمرٌ: بلغني أنَّ الذي يقتله الدَّجَّال هو الخضر؛ وكذا أخرجه ابن حبَّان من طريق عبد الرَّزَّاق عن معمرٍ قال: كانوا يَرون أنَّه الخضر، وقال ابن العربيِّ: سمعت من يقول: إنَّ الذي يقتله(22) الدَّجَّال هو الخضر، وهذه دعوى لا برهان لها، قال الحافظ ابن حجرٍ: قد يتمسَّك من قاله بما أخرجه ابن حبَّان في «صحيحه» من حديث أبي عبيدة بن الجرَّاح(23) رفعه في «ذكر الدَّجَّال»: «لعلَّه(24) يدركه بعض من رآني أو سمع كلامي» الحديث، ويُعكِّر عليه قوله في روايةٍ لمسلمٍ: «شابٌّ ممتلئٌ شبابًا»، ويمكن أن يجاب بأنَّ من جملة خصائص الخضر أن(25) لا يزال شابًّا ويحتاج إلى دليلٍ. انتهى. وقول الخطَّابيِّ: وقد يُسأل عن هذا، فيقال: كيف يجوز أن يُجري الله ╡ آياته على أيدي أعدائه؟ وإحياء الموتى آيةٌ عظيمةٌ، فكيف يمكَّن منها(26) الدَّجَّال وهو كذَّاب مفترٍ على الله؟ والجواب: أنَّه جائزٌ على جهة المحنة لعباده، إذا كان معه ما يدلُّ على أنَّه مبطلٌ غير محقٍّ في دعواه، وهو أنَّه أعور مكتوبٌ على جبهته(27) كافرٌ يراه كلُّ مسلمٍ، فدعواه داحضةٌ، تعقَّبه في «المصابيح» فقال: هذا السُّؤال ساقطٌ، وجوابه كذلك: أمَّا السُّؤال؛ فلأنَّ(28) الدَّجَّال لم يدَّعِ النُّبوَّة ولا حام(29) حول حماها حتَّى تكون تلك الآية دليلًا على صدقه، وإنَّما ادَّعى الألوهيَّة، وإثباتها لمن هو متَّسمٌ بسمات الحدوث(30)، وهو من جملة المخلوقين لا يمكن ولو أقام ما لا يُحصَر / من الآيات؛ إذ حدوثه قاطعٌ ببطلان ألوهيَّته، فما تغنيه الآيات والخوارق؟ وأمَّا الجواب؛ فلأنَّه(31) جعل المبطل لدعواه كونه أعور مكتوبًا بين عينيه كافرٌ، ونحن نقول ببطلان دعواه مطلقًا سواءٌ كان هذا معه أم لم يكن؛ لما قررناه. انتهى.
          والحديث سبق في آخر: «باب الحج» [خ¦1882].


[1] «قال»: ليس في (د).
[2] «ولأبي ذرٍّ النبيّ»: سقط من (د).
[3] في (د) و(ع): «الباء»، وليس بصحيحٍ.
[4] «قبل»: ليس في (د).
[5] «و»: سقط من (ب) و(س).
[6] في (ب) و(د) و(س): «خير».
[7] في (ع): «الكذَّاب».
[8] في (د) و(ع): «أنذرنا النَّبيُّ».
[9] في غير (ب) و(س): «رجليه».
[10] في (د) و(ب) و(س): «شقَّتين».
[11] في (د) و(ب) و(س): «شقَّتيه».
[12] «اسم الجلالة»: زيد في (ع) و(ص).
[13] في (د): «ليسحر».
[14] في (ع): «الوليد»، ولعلَّه تحريفٌ.
[15] في (ع): «بالمنشار».
[16] في (ع) و(د): «أخبرنا بذلك».
[17] في (ع): «الدَّجَّال»، وفي (د) و(ص): «الدَّجَّال فيقول».
[18] في (ع): «الدَّجَّال».
[19] زيد في (ع): «زاد».
[20] في غير (د): «وترقوته».
[21] في غير (د) و(ع): «عبد»، وهو تحريفٌ.
[22] في (ص): «يقتل».
[23] قوله: «قد يتمسَّك من قاله بما... أبي عبيدة بن الجرَّاح» سقط من (ع).
[24] زيد في (ص): «أن».
[25] «أنْ»: ليس في (ص).
[26] في غير (ب) و(س): «مُكِّن منه».
[27] قوله: «ما يدلُّ على أنَّه مبطلٌ غير محقٍّ في دعواه، وهو أنَّه أعور مكتوبٌ على جبهته» سقط من (ع).
[28] في (ص): «فإنَّ».
[29] في (ص): «حال».
[30] في (د) و(ع): «الحدث».
[31] في (ص) و(ع): «فإنَّه».