إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش

          7058- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى) بفتح العين (بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ) بكسر عين «سعيدٍ» فيهما وفتح(1) عين «عمرٍو»، وسقط لابن عساكر «ابن عمرو بن سعيدٍ» (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (جَدِّي)(2) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأمويُّ المدنيُّ ثمَّ ّالدِّمشقيُّ ثمَّ الكوفيُّ(3) (قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلعم بِالمَدِينَةِ) زمن معاوية ☺ (وَمَعَنَا مَرْوَانُ)‼ بن الحكم بن أبي العاص ابن أميَّة، الذي وُلِّي الخلافة بعد ذلك (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ) في نفسه (المَصْدُوقَ) عند الله(4)، صلعم (يَقُولُ: هَلَكَةُ(5) أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ) بفتح الدال تثنية يد، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والكُشْمِيهَنيِّ: ”أيدي“ بزيادة همزة بصيغة الجمع (غِلْمَةٍ) بكسر المعجمة وسكون اللَّام (مِنْ قُرَيْشٍ) وعند أحمد والنَّسائيِّ(6) من رواية سِمَاكٍ عن أبي ظالمٍ عن أبي هريرةَ: «إنَّ فساد أمَّتي على يدي غِلْمةٍ سفهاء من قريشٍ»، وبزيادة: «سفهاء» تقع المطابقة بين الحديث والتَّرجمة، وعند ابن أبي شيبةَ من وجهٍ آخرَ عن أبي هريرةَ رفعه: «أعوذ بالله من إمارة الصِّبيان، قالوا: وما إمارة الصِّبيان(7)؟ قال: إن أطعتموهم هلكتم _أي: في دينكم_، وإن عصيتموهم أهلكوكم» أي: في دنياكم، بإزهاق النَّفس، أو بإذهاب المال، أو بهما، وعند ابن أبي شيبة: أنَّ أبا هريرة كان يمشي في السُّوق يقول: اللَّهم؛ لا تدركني سنة ستِّين ولا إمارة الصِّبيان، قالوا: وما إمارة الصِّبيان(8)؟ وقد استجاب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بسنة، قال في «الفتح»: وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ أوَّل الأغيلمة كان في سنة ستِّين، وهو كذلك؛ فإنَّ يزيد بن معاوية استُخلف فيها، وبقي إلى سنة أربعٍ وستين فمات، ثمَّ ولي ولدُه(9) معاوية ومات بعد أشهر.
          (فَقَالَ مَرْوَانُ) بن الحكم المذكور: (لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً) بالنَّصب على الاختصاص (فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺ : (لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ: بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَفَعَلْتُ) وكأنَّ أبا هريرة كان يعرف أسماءهم، وكان ذلك من الجِرَاب الذي لم يبثَّه، فلم يبيِّن أسامي أمراء الجَور وأحوالهم. نعم؛ كان يكنِّي عن بعضه ولا يصرِّح به؛ خوفًا على نفسه، وقد وردت أحاديث في لعن الحَكَم والد مروان وما ولد، أخرجها الطَّبراني وغيره(10) غالبُها فيه(11) مقالٌ، وبعضها جيِّدٌ، قال عمرو بن يحيى: (فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي) سعيد بن عمرٍو (إِلَى بَنِي مَرْوَانَ) بن الحكم (حِينَ مَلَكُوا) وُلُّوا / الخلافةَ (بِالشَّأْمِ) وغيرها، ولأبي ذرٍّ: ”حين مُلِّكُوا“ بضمِّ الميم وكسر اللام مشدَّدةً (فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا) جمع حَدَثٍ، أي: شُبَّانًا(12) وأوَّلهم يزيدُ، ولابن عساكر: ”غِلمان أحداث“ (قَالَ لَنَا: عَسَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ) فقال أولاده وأتباعه ممَّن سمع(13) منه(14) ذلك: (قُلْنَا) له: (أَنْتَ أَعْلَمُ) وإنَّما تردَّد عمرو في أنَّهم المراد بحديث أبي هريرة من جهة كون أبي هريرة لم يُفصِحْ بأسمائهم.
          تنبيه: قال التَّفتازانيُّ: وقد اختلفوا في جواز لعن يزيدَ بن معاويةَ، فقال في «الخلاصة» وغيرها: إنَّه لا ينبغي اللَّعن عليه ولا على الحجَّاج؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم نهى عن لعن المصلِّين ومن كان من أهل القِبْلة، وأمَّا ما نُقِلَ عنه صلعم من اللَّعن لبعض أهل القِبلة؛ فَلِمَا أنَّه(15) يعلم من أحوال النَّاس ما لا يعلمه غيره، وبعضُهم أطلق اللَّعن عليه لما أنَّه(16) كفر حين أَمر بقتل الحسين ☺ ، واتَّفقوا على جواز اللَّعن على‼ من قتله، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به، والحقُّ أنَّ رضا يزيدَ بقتل الحسين ☺ وإهانته أهلَ البيت النَّبويِّ ممَّا تواتر معناه وإن كانت تفاصيله آحادًا، فنحن لا نتوقَّف في شأنه(17)، بل في إيمانه، لعنةُ الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه. انتهى(18).
          والحديث سبق في «علامات النُّبوَّة» [خ¦3605]، وأخرجه مسلمٌ.


[1] زيد في (ع): «سين».
[2] قوله: «عين عمرٍو، وسقط لابن عساكر... بالإفراد جَدِّي» سقط من (ع).
[3] زيد في (ع): «قال: أخبرني جدِّي».
[4] في (ص): «النَّبيِّ»، وليس بصحيح.
[5] في (ع): «هلكت».
[6] في (ع): «المُستملي»، وليس بصحيح.
[7] «قالوا: وما إمارة الصِّبيان»: مثبت من (د).
[8] «قالوا: وما إمارة الصبيان»، ولعلَّ الصَّواب حذفها.
[9] في (ع): «بعده».
[10] في (ص): «وغيرها».
[11] في (ع): «فيها».
[12] في (ع) و(ب): «شبابًا».
[13] في (ب): «يسمع».
[14] في (ع): «منهم».
[15] في (ع): «فلأنَّه».
[16] في (ع): «لأنَّه».
[17] في (ع): «لعنه».
[18] «انتهى»: ليس في (د).