إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت

          6778- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ) الحَجَبيُّ _بفتح المهملة والجيم ثم موحدة_ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ) بنِ عبيد بنِ سالمٍ الهُجيميُّ البصريُّ قال(1): (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، عثمانُ بنُ عاصم الأسديُّ الكوفيُّ قال: (سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ) بضم العين وفتح الميم في الأوَّل، وكسر العين في الثَّاني (النَّخعيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: مَا كُنْتُ لأُقِيمَ) اللَّام لتأكيدِ النَّفي (حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ فَأَجِدَ فِي نَفْسِي) أي: فأحزنُ عليهِ، والفعلان بالنَّصب، كذا في الفرع، ونصَّ عليه في «الفتح». وقال الكِرْمانيُّ: «فيموتَ» بالنَّصب، ”فأجدُ“ بالرَّفع، وقوله: «فيموت» مسبَّب عن «أُقيم»، و«أجد» مسبَّب عن السَّبب والمسبب معًا، والاستثناء في قوله: (إِلَّا صَاحِبَ الخَمْرِ) منقطعٌ، فـ «صاحبَ» يجبُ نصبُه إلَّا عند تميمٍ، أي: لكن أجد من حدِّ صاحبِ الخمر إذا مات شيئًا، ويجوزُ أن يقدَّر: ما أجدُ من موت أحدٍ يقام عليه الحدُّ شيئًا إلَّا من موتِ صاحبِ الخمر، فيكون متَّصلًا، قاله في «شرح المشكاة»، وصاحب الخمر، أي: شارب الخمر (فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ) بتخفيفِ الدال المهملة، أعطيت ديَتَه لمن يستحقُّها. وعند النَّسائيِّ وابن ماجه من رواية الشَّعبيِّ، عن عُمَيرِ بنِ سعيد قال: سمعتُ عليًّا يقول: من أقمنَا عليه حدًّا فماتَ فلا ديَة له إلَّا من ضربنَاه في الخمرِ.
          وقال في «المصابيح»: فإن قلتَ: لا شكَّ أنَّ الاستثناءَ المتقدِّم متَّصلٌ، وحكمه نقيضُ الحكم الثَّابت للمستثنى منه ضرورة أنَّ الاستثناء‼ من النَّفي إثبات وبالعكس، وحكمُ المستثنى منه عدم الوجدانِ في النَّفس، والثَّابت للمستثنى(2) كونه يُودَى وليس نقيضًا للأوَّل. وأجاب بأنَّه يلزم من القيام بديته ثبوت الوجدان في النَّفس من أمرهِ، ولذلكَ يَدِيهِ على تقدير: موتهِ، فهو حينئذٍ جارٍ على القاعدة، والمعنى: فإنَّه لو مات وجدتُ في نفسِي منه فوديتُهُ، فحذف السَّبب وأقام المسبَّب مقامه.
          (وَذَلِكَ) إشارة إلى قولهِ: «ما كنت لأقيم...» إلى آخره (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم لَمْ يَسُنَّهُ) أي: لم يقدِّر فيه حدًّا مضبوطًا، وقد اتَّفقوا على أنَّ من وجب عليه حدٌّ فجلدَه الإمامُ أو جلَّادُه الحدَّ الشَّرعيَّ فمات، فلا ديَةَ فيه، ولا كفَّارة على الإمامِ ولا على جلَّاده ولا في بيتِ المال، إلَّا في حدِّ الخمرِ فعن عليٍّ ما تقدَّم. وقال الشَّافعيُّ: إن ضُرِب بغير السَّوط فلا ضمانَ، وإن ضربَ بالسَّوط ضُمِن قبل الدِّية، وقيل: قَدْرَ تفاوتِ ما بين(3) الجلْدِ(4) بالسَّوط وبغيره، والدِّية في ذلك على عاقلةِ الإمام، وكذلك لو ماتَ فيما زاد على الأربعين. وقال الطِّيبيُّ: ويحتملُ أن يُراد بقوله: لم يسنَّه، الحدُّ الَّذي يؤدِّي إلى التَّعزير، كما في حديث أنسٍ ومُشاورة عمر عليًّا ☻ . قال: وتلخيصُ المعنى: أنَّه إنَّما خاف من سُنَّةٍ سنَّها عمرُ وقوَّاها(5) برأي عليٍّ لا ما سنَّه رسولُ الله صلعم .
          والحديث أخرجَه مسلمٌ في «الحدود»، وكذا أبو داود وابنُ ماجه.


[1] «حدثنا خالد بن الحارث ابن عبيد بن سالم الهجيمي البصري قال»: في (د) جاءت بعد قوله: «سفيان الثوري قال».
[2] في (د) زيادة: «منه».
[3] «بين»: ليست في (ص) و(ع) و(د).
[4] في (ع) و(د): «يجلد».
[5] في (ع) و(د): «قررها».