إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله نهى عن الشغار

          6960- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو: ابنُ مُسَرْهد قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطَّان (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضم العين العمريِّ، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (نَافِعٌ) مولى ابنِ عمر (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بنِ عمر ( ☺ ) وعن أبيه (أَنَّ رَسُولَ اللهِ‼ صلعم نَهَى) نهيَ تحريمٍ (عَنِ الشِّغَارِ) بكسر الشين وفتح الغين المعجمتين. قال عُبيد الله: (قُلْتُ لِنَافِعٍ) مُستفهمًا منه(1): (مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ: يَنْكِحُ) الرَّجل (ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ) الآخر (ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ) الآخر (أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ) بل يضعُ كلَّ واحدة منهما صداقَ الأخرى، واختُلف في أصلِ الشِّغار في اللُّغة. فقيل: مِن شَغَرَ الكلبُ، إذا رفعَ رجله ليبولَ، كأنَّ العاقد يقول: لا ترفعْ رجلَ ابنتي حتَّى أرفعَ رجلَ ابنتك، وقيل: مأخوذٌ من شَغَرَ البلدُ؛ إذَا خلا، كأنَّه سمِّي بذلك لشغورهِ من الصَّداق. وقال ابنُ الأثير: كأن يقول الرَّجل: شاغِرْني، أي: زوِّجني ابنتَك أو أختَك أو من تَلي أمرها حتَّى أزوِّجك ابنتِي أو أختي، ولا يكون بينهما مهرٌ، وقيل: الشَّغْر البُعد، ومنه بلدٌ شاغرٌ؛ إذا بعدَ عن النَّاصر والسُّلطان، وكأنَّ هذا العقدَ بعدَ عن طريق الحقِّ(2).
          والحديث سبق في «النِّكاح» [خ¦5112].
          (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) أي(3): الإمام أبو حنيفة ⌂ : (إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَزَوَّجَ عَلَى الشِّغَارِ(4) فَهْوَ) أي: العقدُ (جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) فيجبُ لكلِّ واحدةٍ منهما مهرُ مثلها. وقال ابنُ بطَّال: قال أبو حنيفة: نكاحُ الشِّغار منعقدٌ ويصلحُ بصداقِ المثل، وكلُّ نكاحٍ فسادُه(5) من أجلِ صداقهِ لا يُفسخ(6) عندَه، وينصلحُ بمهرِ المثل. وقال الأئمَّة الثَّلاثة: النِّكاح باطلٌ؛ لظاهر الحديث.
          (وَقَالَ(7)) أي: أبو حنيفة (فِي المُتْعَةِ) وهي أن يتزوَّجها بشرط أن يتمتَّع بها أيَّامًا، ثمَّ يُخلِّي سبيلها: (النِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) / وهذا مبنيٌّ على قاعدة السَّادة الحنفيَّة وهي أنَّ ما لم يُشرعْ بأصلهِ ووصفهِ باطلٌ، وما شُرِع بأصلهِ دون وصفهِ فاسدٌ، فالنِّكاح مشروعٌ بأصله وجعل البضعِ صداقًا وصفٌ فيه، فيفسدُ الصَّداق ويصحُّ النِّكاح بخلاف المتعةِ، فإنِّها لمَّا ثبت أنَّها منسوخةٌ صارت غيرَ مشروعةٍ بأصلها.
          (وَقَالَ بَعْضُهُم) أي: بعضُ الحنفيَّة: (المُتْعَةُ وَالشِّغَارُ) كلٌّ منهما (جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ) في كلٍّ(8) منهما. قال الحافظُ ابن حجرٍ: كأنَّه يُشير إلى ما نُقل عن زُفر أنَّه أجاز المؤقَّت وأَلغى الشَّرط؛ لأنَّه شرط(9) فاسدٌ، والنِّكاح لا يبطلُ بالشُّروط الفاسدةِ. وتعقَّبه العينيُّ بأنَّ مذهب زفر ليس كذلك بل عنده أنَّ صورته أنْ يتزوَّج امرأةً إلى مُدَّة مَعلومة فالنِّكاح صحيحٌ، واشتراط المدَّة باطلٌ. قال: وعندَ أبي حنيفةَ وصاحبيهِ: النِّكاح(10) باطل.


[1] في (د) و(ع) و(ص): «له».
[2] في (د) و(ع): «الشرع».
[3] «أي»: ليست في (د) و(ع) و(ص).
[4] في (ص): «الشاغر».
[5] في (ص): «فاسده».
[6] في (د): «ينفسخ».
[7] في (د) و(ع): «وقال بعضهم».
[8] في (ع): «لكلّ».
[9] «شرط»: ليست في (س).
[10] في (ع) زيادة: «به».