التلويح شرح الجامع الصحيح

باب الرجز في الحرب ورفع الصوت في حفر الخندق

          ░161▒ وقول البخاري في:بَابِ الرَّجَزِ فِي الحَرْبِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ فِي حَفْرِ الخَنْدَقِ
          فِيهِ سَهْلٌ وَأَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صلعم وَفِيهِ يَزِيدُ عَنْ سَلَمَةَ. انتهى.
          كأنه يريد بحديث سهل: ما ذكره هو في فضل الأنصار.
          وحديث يزيد عن سلمة: يشبه أن يكون ما رواه هو أيضًا عنه من قوله:
أنا ابن الأكوع                     واليوم يوم الرُّضَّع
          وعند ابن عساكر في «كتاب الجهاد» من حديث أزهر بن سعد، عن ابن عون، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة فذكرت نقل النبي صلعم التراب بالخندق وهو يقول:
اللهم إن الخير خير الآخرة                     فاغفر للأنصار والمهاجرة
          حديث البراء تقدم، وحديث جرير تقدم قريبًا.
          وقوله في حديث البراء المتقدم في أُحُد: «تَخطَفُنَا الطَّيرُ» [خ¦3039].
          قال الخطابي: هذا مثل يريد به الهزيمة، يقول صلعم: إن رأيتمونا قد زُلنا عن مكاننا وولَّينا منهزمين فلا تبرحوا أنتم، وهذا كقولهم: فلان ساكن الطير، إذا كان هادئًا / وقورًا وليس هناك طير، وأيضًا فالطير لا يقع إلا على الشيء الساكن، ويقال للرجل إذا أسرع وخفَّ: قد طار طيره.
          وقال الداودي: معناه: إن قُتلنا وأكلت الطير لحومنا فلا تبرحوا مكانكم.
          وقوله: (أَوْطَأْنَاْهُمْ) قال ابن المنير: يريد مشينا عليهم، وهم قتلى بالأرض.
          وقوله: (يَشْتَدُّوْنَ) أي: يَعْدون، والاشتداد العَدْو، وروي: «يُسنِدْن» قال ابن التين: هي رواية أبي الحسن، ومعناها: يمشين في سند الجبل يُرِدْن أن يرقين الجبل.
          ونهيه صلعم عن إجابة أبي سفيان تفاديًا عن الخوض فيما لا فائدة فيه، وعن خصام مثلِه أيضًا، وإجابة عمر بعد نهي النبي صلعم حِمايةٌ.
          قال ابن بطال: وليس فيه عصيان لسيدنا رسول الله صلعم في الحقيقة، وإن كان عصيانًا في الظاهر، فهو مما يؤجَر به.
          وقوله: (بَقِيَ لَكَ مَاْ يَسُوْؤُكَ) يعني: يوم الفتح.
          وقوله: (الحَرْبُ سِجَاْلٌ) أي: دِوَلًا مرةً لهؤلاء [ومرة لهؤلاء]، وأصله أن المُسْتَقين بالسجلِّ _وهو الدَّلو_ يكون لكل واحد منهم سجال.
          وقوله: (اُعلُ هُبَل) يعني: صنمهم، وفي رواية: «اِرقَ»، مكان (اُعلُ) أي: ارق في الجبل على حزبك، أي: علوت حتى صرت كالجبل العالي.
          قال الداودي: يحتمل أن يريد بذلك تعيير المسلمين حين انحازوا إلى الجبل.
          و(العُزَّى): شجرة لغطفان كانوا يعبدونها، وروى أبو صالح، عن ابن عباس، قال: بعث رسول الله صلعم خالد بن الوليد إلى العُزَّى ليقطعها، وقيل: كانت صنمًا، قاله الضحاك وأبو عبيد.
          قال ابن الجوزي في قوله: (اللهُ مَولَانَا وَلَا مَولَى لَكُم) إن قيل: أليس الله جلَّ وعزَّ مولى الخلق كلهم؟
          فالجواب: بأن المولى هنا بمعنى الولي، والله تعالى يتولى المؤمنين بالنصر والإعانة وخذل الكفار.