التلويح شرح الجامع الصحيح

باب الجعائل والحملان في السبيل

          ░119▒ بَابُ الجَعَائِلِ وَالحُمْلَانِ فِي السَّبِيلِ
          ال ابن بطال: أراد البخاري بالجعائل أن يخرج الرجل شيئًا من ماله يتطوع به في سبيل الله كما ذكر عن ابن عمر، أو يعين به من لا مال له / من الغزاة، كالفرس الذي حمل عليه عمر، فهذا حسن مرغوب فيه، وليس من باب الجعائل التي كرهها العلماء.
          قال مالك: أكره أن يؤاجر الرَّجل نفسه أو فرسه في سبيل الله، وكره أن يعطيه الوالي الجُعل على أن يتقدم إلى الحصن، ولا يكره الجعائل لأهل العطاء؛ لأنَّ العطاء مأخوذ على هذا الوجه.
          قال مالك: لا بأس بالجعائل في البعوث، لم يزل النَّاس يتجاعلون عندنا بالمدينة، يجعل القاعدُ للخارج إذا كانوا من أهل ديوان واحد؛ لأنَّ عليهم سدَّ الثغور.
          وأصحاب أبي حنيفة يكرهون الجعائل ما كان بالمسلمين قوَّة، أو في بيت المال ما يفي بذلك، فإن لم تكن لهم قوَّة ولا مال، فلا بأس أن يجهِّز بعضهم بعضًا، على وجه المعونة لا على وجه البدل، وهذا ينبغي أن يكون وفاقًا لقول مالك.
          وقد روى أيوب، عن محمد، عن ابن عمر قال: كان القاعد يمنح الغازي، فأمَّا أن يبيع الرجل غزوه فلا أدري ما هو؟
          وقال الشَّافعي: لا يجوز لأحد أن يغزو بجعل يأخذه من رجل، وأردُّه إن غزا به، وإنَّما أجيزه من السُّلطان دون غيره؛ لأنَّه يغزو بشيء من حقِّه، فاحتجَّ بأنَّ الجهاد فرض على الكفاية، فمن فعله وقع عن فرضه، فلا يجوز أن يستحقَّ على غيره عوضًا.
          وقال ابن المنير: كلُّ من أخذ مالًا من بيت المال على عمل فإذا أهمل العمل ردَّ ما أخذ بالقضاء، وكذلك الأخذ منه على عمل لا يتأهَّل له، ولا يُلتفت إلى تخيُّل أنَّ الأصل من مال بيت المال الإباحة للمسلمين؛ لأنَّا نقول: الأخذ منه على وجهين:
          أحدهما: أن الآخذ مسلم فله نصيب كان على وجه.
          والآخر: الأخذ على عمل، فإنَّما يستحق بوفائه.
          الاختلاف في الأجير تقدَّم قريبًا.
          وقال المهلب في حديث يعلى:
          قال: غَزَوْتُ غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَحَمَلْتُ عَلَى بَكْرٍ، فَاسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا، فَقَاتَلَ رَجُلًا، فَعَضَّ / أَحَدُهُمَا الآخَرَ، الحديث.
          أنَّ النَّبيَّ صلعم أسهم للأجير، وإنَّما حاول البخاري إثبات ذلك بالدَّليل؛ لأنَّ في الحديث جواز استئجار الحرِّ في الجهاد، وقد خاطب الله جلَّ وعزَّ جماعة المؤمنين الأحرار بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِلهِِ خُمُسَهُ }[الأنفال:41] فدخل الأجير في هذا الخطاب، فوجب له سهم المجاهد القائم.
          وقال ابن المنير: الإسهام للأجير أجنبي عن التَّرجمة.