التلويح شرح الجامع الصحيح

باب قتال الترك

          ░95▒ بَابُ قِتَالِ التُّركِ
          ذكر فيه حديث عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ: قَالَ رسول الله صلعم: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ، وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المَجَانُّ المُطْرَقَةُ» [خ¦2927].
          وفي حديث أبي هريرة المخرَّج عند الستَّة: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّركَ، صِغَارَ الأَعيُنِ، حُمرَ الوُجُوهِ، ذُلفَ الأُنُوفِ» [خ¦2928].
          وفي لفظ: «يَلبَسُونَ الشَّعرَ وَيَمشُونَ فِي الشَّعرِ».
          وفي رواية: «حَتَّى تُقَاتِلُوا خوزًا وَكرمَانَ مِن الأَعَاجِم» [خ¦3590].
          قال البخاري: وقَالَ سُفْيَانُ _يعني ابن عيينة_ وَزَادَ فِيهِ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً: «صِغَارَ الأَعْيُنِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ» [خ¦2929].
          هذا التَّعليق رواه البخاري مسندًا في علامات النُّبوَّة، وعند الإسماعيلي: قال محمد بن عباد: بلغني أن أصحاب بابل كانت نعالهم الشَّعر.
          وعند البكري في «أخبار التُّرك»: «كَأنَّ أَعيُنَهُم حِدَقُ الجَرَادِ، يتَّخِذُونَ الدَّرَقَ حَتَّى / يَربِطُوا خُيُولَهُم بِالنَّخِيلِ».
          وفي لفظ: «حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ التُّركَ، يَلبِسُونَ الشَّعرَ».
          وعند ابن ماجه عن أبي سعيد يرفعه: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَومًا صِغَارَ الأَعيُنِ عِراضَ الوُجُوهِ، كَأنَّ أَعيُنَهُم حِدَقُ الجَرَادِ، كَأنَّ وُجُوهَهُم المِجَانُّ المُطرَقَة، يَنتَعِلُونَ الشَّعرَ، وَيَتَّخِذُونَ الدَّرَقَ، وَيَربِطُونَ خُيُولَهُم بِالنَّخِيلِ».
          وفي حديث أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه: «أنَّ الدَّجَّال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان يتبعه أقوام كأنَّ وجوههم المجان المطرقة». قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا يُعرفُ إلَّا من حديث أبي التيَّاح.
          وعند أبي داود من حديث بُرَيدة _بسند لا بأس به وقال ابن دحية: صحيح_: «يُقَاتِلُكُمْ قَوْمٌ صِغَارُ الأَعْيُنِ _يَعْنِي التُّرْكَ_ تَسُوقُونَهُمْ ثَلَاثَ مِرَاتِ حَتَّى تُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ العَرَبِ، فَأَمَّا فِي السِّيَاقَةِ الأُولَى، فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ، وَالثَّانِيَةِ فَيَنْجُو بَعْضٌ، وَيَهْلَكُ بَعْضٌ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ، فَيُصْطَلَمُونَ».
          وعند البيهقي: «إِنَّ أُمَّتِي يَسُوقُهَا قَومٌ عِراضُ الوُجُوهِ كَأنَّ وُجُوهَهُم الحُجَفُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، حَتَّى يُلحِقُوهُم بِجَزِيرَةِ العَرَبِ» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ هُم؟ قَالَ: «التُّركُ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَيَربِطُنَّ خُيُولَهُم السَّوَارِي مَسَاجِدَ المُسلِمِينَ».
          قرأت على إبراهيم بن علي المشهدي، عن الحافظ البكري: حدَّثنا عبد الصمد بن محمد بن الفضل: أخبرنا ثقة الحرم محمد بن الفضل كتابة: أخبرنا البيهقي: أخبرنا ابن فورك: حدَّثنا عبدالله بن جعفر: حدَّثنا يونس بن حبيب: حدَّثنا أبو داود الطيالسي: حدَّثنا الحشرج بن نُبَاتة: حدَّثنا سعيد بن جُمهان، عن عبد الرَّحمن بن أبي بَكْرة، عن أبيه، قال رسول الله صلعم: «لَينزِلَّنَّ طَائِفُةٌ مِن أُمَّتِي أَرضًا يُقَالُ لَهَا البَصرَةُ، فَيَجِيءَ بَنُو قَنطُورَاءَ، عِرَاضُ الوُجُوهِ صِغَارُ العيون، حَتَّى يَنزِلُوا عَلَى جِسرٍ لَهُم» الحديث.
          وذكر البكري من حديث سليمان بن الرَّبيع العدوي، عن عبد الله ابن عمرو قال: «يُوشِكُ بَنُو قَنطُورَاءَ بنِ كَركَر أَن يَسُوقُوا أَهلَ / خُرَاسَانَ وَأَهلَ سِجِّستَانَ سَوقًا عَنِيفًا» الحديث بطوله.
          قال: فقدمنا على عمر بن الخطاب فحدَّثناه بما سمعنا من ابن عمرو، فقال: ابن عمرو هو أعلم بما يقول.
          قال الخطابي: «بنو قَنطُورَاءَ» هم التُّرك، يقال: إنَّ قَنطُورَاءَ اسم جارية كانت لإبراهيم صلعم ولدت أولادًا جاء مِن نسلهم الترك.
          وفي «القصد والأمم» لابن عبد البر: وأمَّا الترك فيما ذكروا هم ولد يافث، وهم أجناس كثيرة، ومنهم أصحاب مدن وحصون، ومنهم قوم في رؤوس الجبال والبراري، ليس لهم عمل غير الصيد، ومن لم يصد ودج دابته وشوى الدم في مصران فأكله، وهم يأكلون الرخم والغربان، وليس لهم دين، ومنهم من يدين بالمجوسية وهم الأكثرون، ومنهم من تهوَّد، وملكهم يلبس الحرير وتاج الذهب ويحتجب كثيرًا، وفيهم سحر.
          وقال وهب بن منبه: هم بنو عم يأجوج ومأجوج، وقد قيل: إنَّ أصل الترك أو بعضهم من حِمْير، وقيل: إنَّهم بقايا قوم تبع ومن هناك، كانوا يسمون أولادهم بأسماء العرب العاربة، فهؤلاء ومن كان مثلهم يزعمون أنَّهم من العرب، وألسنتهم أعجمية، وبلدانهم غير عربيَّة دخلوا إلى بلاد العجم واستعجموا.
          وفي كتاب «الإكليل» لابن أبي الدِّمنة الهَمْداني: أكثرهم يقول: الترك من ولد أفريدون بن سام بن نوح صلعم، وسموا تركًا لأنَّ عبد شمس بن يشجب لما وطئ أرض بابل أُتِيَ بقوم من أجابرة ولد يافث، فاستنكر خلقهم، ولم يحب أن يدخلهم في سبي بابل، فقال: اتركوهم، فسموا التُّرك.
          وقال صاعد في كتاب «الطبقات»: أمَّا التُّرك فأمَّة كثيرة العدد، فخمة المملكة، ومساكنهم ما بين مشارق خراسان من مملكة الإسلام، وبين مغارب الصين، وشمال الهند، إلى أقصى المعمور في الشمال، وفضيلتهم التي برعوا فيها وأحرزوا خصالها الحرب ومعالجة آلتها.
          وقال المسعودي في «المروج» / : في الترك استرخاء في المفاصل، واعوجاج في سيقانهم، ولينٌ في عظامهم، حَتَّى إنَّ أحدهم ليرمي بالنشَّاب من خلفه كرميه من قدَّام، فيصير قفاه كوجهه ووجهه قفاه، ومطاوعة فقارات ظهرهم لهم، وحمرة وجوههم عند تكامل الحرارة في الوجوه على الأغلب من كونها وارتفاعها بغلبة البرد على أجسامهم.
          و(المَجَانُّ): قال الخطَّابي: هي الَّتي ألبست الأطرقة من الجلود، وهي الأغشية منها، شبَّه عرض وجوههم ونتوء وجناتهم بظهور الترسة، وهي بفتح الميم وتشديد النُّون، جمعُ مِجن بكسر الميم وهو التُّرس.
          قال ابن قُرْقُول: هي الترسة التي ألبست بالعقب طاقة فوق أخرى.
          و(المُطْرَقَةُ): بسكون الطاء المهملة وتخفيف الرَّاء.
          قال ابن قُرْقُول: قال بعضهم: الأصوب فيه المطرَّقة، وهو ما رُكِّب بعضه فوق بعض.
          قال: وقيل هو أن يقوّر جلد بمقداره ويلصق به كأنَّه ترس على ترس.
          و(ذُلْفُ): بذال معجمة مضمومة، أي: قِصارٌ، وهو الفَطَس وتأخُّر الأرنبة، وقيل: غِلظ الأرنبة، وقيل: تطامن فيها.
          ورواه بعضهم بدال مهملة، قال: وقد قيَّدناه عن التَّميمي بالوجهين وبالمعجمة أكثر.
          وقال ابن التِّين: ذلف الأنوف صغارها. وقيل: تشميرها عن الشَّفة.
          وعن ابن فارس: الذَّلف الاستواء في طرف الأنف، ليس بحدٍّ غليظ.
          قال في «المخصص»: وهو يعتري الملاحة.
          و(الأُنُوفُ): جمع أنف، مثل فلس وفلوس، وعند الفرَّاء: الآنف مثل بحر وأبحر، وفي «المخصص» هو جميع المنخر، وسمي أنفًا لتقدُّمه، وجمع الأنف: آنف وآناف. وسيأتي الكلام عليه أيضًا في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى.