التلويح شرح الجامع الصحيح

باب: {فإما منًا بعد وإما فداءً}

          ░150▒ بَابُ {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }[محمد:4]
          فِيهِ حَدِيثُ ثُمَامَةَ.
          يعني البخاري بحديثه الذي سلف في كتاب الصلاة.
          وقد اختلف العلماء في هذه الآية الكريمة؛ فقال النحاس في قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ }[التوبة:5] للعلماء فيها ثلاثة أقوال:
          فمنهم من قال: هي منسوخة، ولا يحل قتل أسير صبرًا، وإنما يُمنُّ عليه أو يفدي، وقالوا: ناسخها قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}[محمد:4]، فممَّن قال هذا: الحسن، والضحاك، والسدي، وعطاء، ومنهم الطبري، والشعبي.
          قال النحاس: ومن العلماء من قال: لا يجوز في الأسرى من المشركين إلا القتل، وجعلوا قوله ╡: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ناسخًا لقوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}[محمد:4] وهذا قول قتادة، ويروي عن مجاهد.
          وقال / غيرهم: إنَّ الآيتين جميعًا محكمتان، وهو قول ابن زيد، وهو قول صحيح بيِّن؛ لأنَّ إحداهما لا تنفي الأخرى، ينظر الإمام في ذلك بما يراه مصلحة، إما القتل، وإما الفداء والمن، وكذا قاله أبو عبيد بن سلام.
          قال: وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد وأبي ثور، قال: وقد فعل هذا كلَّه سيدنا رسول صلعم في حروبه.
          وعند الطبراني عن أبي بكر الصديق: لا يفادي بأسير المشركين، وإن أُعطي فيه كذا وكذا من مال. انتهى.
          وهو خلاف ما رُوِيَ عنه في إشارته في أسارى بدر بالفداء، وأشار عمر بقتلهم.
          وقال الزهري: كتب عمر بن الخطاب: اقتلوا كل من جرت عليه المواسي.
          وقال الطحاوي: اختلف قول أبي حنيفة في هذا؛ فروي عنه أن الأسرى لا تفادى، ولا يردون حربًا؛ لأن في ذلك قوة لأهل الحرب، وإنما يفادون بالمال، ومما سواه مما لا قوة لهم فيه.
          وروي عنه: أنه لا بأس أن يفادى بالمشركين أسارى المسلمين، وهو قول أبي يوسف ومحمد.
          ورأي أبي حنيفة أن المَنَّ منسوخ.
          وقيل: كان خاصًّا بسيدنا رسول الله صلعم.