التلويح شرح الجامع الصحيح

باب من حدث بمشاهده في الحرب

          ░26▒ وقول البخاري في:بَابُ مَنْ حَدَّثَ بِمَشَاهِدِهِ فِي الحَرْبِ
          (قالَهُ أبو عثمانَ عن سَعْدٍ) يعني معلَّقًا، ذكره مسندًا في «صحيحه [خ¦3722]» عن محمد بن أبي بكر، وحامد بن عمر، ومحمد بن عبد الأعلى، عن معتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان.
          وأما امتناع طلحة وسعد والمقداد عن الحديث عن سيدنا رسول الله صلعم فلخشية زيادةٍ أو نقصٍ، فيدخلوا في معنى قوله: «من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوَّأ مقعدَه من النار» [خ¦109]، فاحتاطوا لأنفسهم أخذًا بقول عمر ☺: «أقلُّوا الحديث عن رسول الله صلعم، وأنا شريككم».
          وحديثهم عن يوم أحد: يدلُّ على أن للرجل أن يُحدث عما تقدم له من العناء في إظهار الإسلام وإعلاء كلمته، ليتأسَّى بذلك مُتَأسٍّ، فلا يدخل ذَلِكَ في باب الرياء؛ لأن إظهار الفرائض أفضل من سترها، وكان عليهم نصرُ سيدنا رسول الله صلعم فرضًا.
          و(النَّفِيرُ): زعم المهلب أنه هو والجهاد يجب وجوبَ فرضٍ، ووجوبَ سنةٍ؛ فأمَّا من استُنفِرَ لعدوٍّ ظاهر فالنفير فرض عليه، ومن استُنفِرَ لعدوٍّ غير غالب ولا قويٍّ فيجب وجوب سنة، من أجل طاعة الإمام المستنفر؛ لأن المستَنفِرَ للعدو الغالب قد لزم الجهادُ فيه كلَّ أحد بعينه، وأما العدو المقاوم أو المغلوب فلم يلزم الجهاد فيه لزومَ / الأول، وإنما لزم الجماعة، فمن انتدب له قام به، ومن قعد أرجو أن يكون في سعة.
          ومن ذلك معنى قوله: (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ) [خ¦2825] وذلك أنه كان في بدء الإسلام فرضًا على كل من أسلم أن يهاجر إلى سيدنا رسول الله صلعم فيقاتل معه حتى تكون كلمة الله هي العليا، فلما فتح الله جلَّ وعزَّ مكة _شرفها الله تعالى_ وكسر شوكةَ المشركين، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فلم تلزم الناس الهجرة بعدُ، لكثرة المسلمين.
          قال البخاري: ويُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {انْفِرُوا ثُبَاتٍ} سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ.
          هذا التعليق ذكره إسماعيل بن أبي زياد الشامي في تفسيره عن ابن عباس.