التلويح شرح الجامع الصحيح

باب من اغبرت قدماه في سبيل الله

          ░16▒ بَابُ مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ تعالى
          وَقَوْلِ اللهِ جلَّ وعزَّ: {مَا كَانَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ}[التوبة:120] إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ }[التوبة:120].
          قال مقاتل بن سليمان في «تفسيره»: ذكر الله _جلَّ وعزَّ_ وعن الذين لم يتخلَّفوا عن غزوة تبوك فقال: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ } صلعم، في غزوة تبوك.
          وفي «تفسير الثعلبي»: ظاهر قوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} خبر ومعناه: أمر.
          و (الأَعْرَاب) سُكَّان البوادي: مُزينة وجُهينة وأَشْجع وأَسْلم وغِفَار.
          {أَن يتًخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اْللهِ} إذ غزا.
          قال ابن عباس: يكتب لهم بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعين ألف حسنة.
          قال قتادة: هذا خاص بالنبي صلعم إذا غزا بنفسه، فليس لأحدٍ أن يتخلَّفَ عنه إلا بعذر، فأما غيره من الأئمة والولاة فمن شاء أن يتخلف تخلف.
          وقال الوليد بن / مسلم: سمعت الأوزاعي وابن المبارك والفزاري وابن جابر وسعيد بن عبد العزيز يقُولُونَ فِي هَذِه الآيَة: إِنَّهَا لأوَّل هَذِه الأمة وَآخِرهَا.
          وقال ابن زيد: كان هذا وَأهل الإِسْلَام قَلِيل، فَلَمَّا كَثُرُوا نسخهَا الله جلَّ وعزَّ، وأباح التَّخَلُّف لمن شَاءَ، فَقال: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً }[التوبة:122].
          قال النَّحَّاس: ذهب غيره أَنه لَيْسَ هُنَا ناسخ ولا مَنْسُوخ، وأن الآيَة الأولى توجب إِذا نفر النَّبِي صلعم أَو احْتِيجَ إِلَى المُسلمين واستُنفِرُوا لم يسع أحدًا التَّخَلُّفُ، وَإِذا بعث النَّبِي صلعم سَرِيَّة وخُلِّفَتْ طَائِفَة يجوز، وهذا مذهب ابن عباس، والضحاك، وقتادة.
          ولما ذكر ابن الحصار قول ابن زيد قال: هذا نسخ بالتأويل الفاسد، إنما قوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ}[التوبة:120] تعريض لمن تخلَّف منهم عن تبوك، فهذا النهي يتوجَّهُ على كل من استُنفِرَ فلم ينفر خاصًّا وعامًّا، ومن لم يستنفره لم يدخل تحته، والآية التي زعمها ناسخة إنما نزلت في التحضيض على طلب العلم والرِّحْلة فيه، فلا معارضة بين الآيتين.
          وحديث: «مَا اغْبَرَّت» [خ¦2811]. تقدم يوم الجمعة، ورواه هنا عن إسحاق: حدَّثنا محمد بن المبارك، قال الجياني: نسبه الأَصِيلِيُّ في نسخةٍ فقال: ابن منصور، وكذا قاله الكَلَاباذي، انتهى.
          يحتمل أن يكون إسحاق هذا إسحاق بن زيد الخطَّابي، ساكن حران، فإن الإسماعيلي روى هذا الحديث عن عبد الله بن أبي زياد الموصلي، قال حدثنا إسحاق بن زيد الخطَّابي، وكان يسكن حرَّان: حدَّثنا محمد بن المبارك الصوري، فذكر هذا الحديث كما ذكره البخاري وبسنده.
          والمطابقة بين الآية الكريمة والترجمة عند قوله: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ}[التوبة:120] فأثابهم الله جلَّ وعزَّ بخطواتهم وإن لم يلقوا قتالًا.