التلويح شرح الجامع الصحيح

كتاب الشفعة

          ░░36▒▒ كتاب الشُّفْعة
          قال ابن حزم: هي لفظة شرعية لم تعرف العرب معناها قبل سيدنا رسول الله / صلعم، كما [لم] يعرف معنى الصلاة والزكاة والصيام والكفارة والنسك وشبهها، حتى بَيَّنَهَا صلعم، وذكر ابن التَّيَّاني الشفعة على مثال رُكْبة، وذكر بعض الفقهاء: أن كل فعل يجوز تثقيله وتخفيفه إذا لم يكن مسموعًا، قال ابن دريد: سميت بذلك، لأنه يشفع ماله بها، والشافع الطالب لغيره يستشفع به إلى المطلوب منه.
          وفي «التهذيب»: سئل أبو العباس عن اشتقاق الشفعة فقال: الشفعة الزيادة، وهو أن يشفعك فيما تطلب حتى تضمه إلى ما عندك [فتزيده وتشفعه] بها، أي: تزيده، وقال ابن سِيْدَه: الشفعة في الشيء القضاء به لصاحبه، وعن ابن بطال: هي في اللغة الضم والجمع، وقال ابن التين: مأخوذة من الشفاعة.
          قَالَ البُخَارِيُّ: (الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ).
          وذكر حديث جابر مرفوعًا: «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» رواه القعنبي وأبو عاصم عن مالك منقطعًا، فرد به الحنفي بذلك وجعله علة، ولقائل أن يقول: قد روى أبو يوسف القاضي عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة مثله مسندًا، فلم لا يأخذ به.
          وزعم بعضهم أن قوله: (فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ...) إلى آخره ليس من كلام النبي صلعم، إنما هو من كلام الراوي فيُنظر.
          قال ابن التين: أجمع المسلمون على ثبوتها للشريك في العقار ما لم يقسم، وخُصَّ العقار بالشفعة، لأنه أكثر الأنواع ضررًا، واتفقوا على أنه لا شفعة في الحيوان والثياب والأمتعة وسائر المنقول، وشذَّ عطاء فأثبت الشفْعَة في العُروض، وقال: تثبت الشفعة في كل شيء حتى في الثوب.
          وفي رواية عن أحمد أنها تثبت في الحيوان والبناء المنفرد.
          وفي «المصنف» عن ابن أبي مليكة وسُئِلَ عن الشفعة فقال: «قَضَى النبيُّ صلعم / بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ الأَرْضِ والدَّارِ والخادمِ والجاريةِ».
          قال ابن حزم: وإلى هذا رجع عطاء، وهو عنهما بأصح سند وأسنده عمر بن هارون عن شعبة [عن أبي بشر] عن ابن جبير عن ابن عباس أن النبي صلعم قال: «الشُّفْعَةُ في العبدِ وَفِي كُلِّ شَيءٍ» ردَّه ابن عدي بعمر.
          وعند الطحاوي: حدَّثنا ابن خزيمة: حَدَّثَنا يوسف بن عدي: حَدَّثَنا أبو إدريس الأودي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر: «قَضَى النَّبِيُّ صلعم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيء».
          وقال ابن حزم: الشفعة واجبة في كلِّ جزءٍ بِيْعَ مشاعًا [غير مقسوم] بين اثنين فصاعدًا من أي شيء كان مما يقسم ومما لا ينقسم، من أرض أو شجرة واحدة فأكثر، ومن عبد أو أمة أو ثوب أو سيف أو من طعام أو حيوان أو [من] أي شيء بيع.
          ورُفِعَ إلى عبد الملك بن يعلى رجلٌ باع نصيبًا له غير مقسوم فلم يُجِزْهُ.
          وقال ابن سيرين: لا بأس بالشريكين [يكون] بينهما الشيء الذي لا يُكَالُ ولا يُوْزَنُ أن يبيعه قبل أن يقاسمه.
          وقال الحسن: لا بيع فيه ولا في غيره حتى يقاسمه إلا أن تكون لؤلؤة أو ما لا يقدر على قسمته.
          ولم ير عثمان البَتِّي شفعة لشريك.
          ورأى ابن شُبْرمة الشفعة في الماء.
          ورأى مالك الشفعة في التين والعنب والزيتون والفواكه في رؤوس الشجر.
          وفي «الاستذكار» عن مَعْمَرٍ: قلت لأيوب: أتعلم أحدًا كان يجعل في الحيوان شفعة؟ قال: لا، قال معمر: وأنا لا أعلم أحدًا جعل فيه شفعة، وقال ابن شهاب: ليس في الحيوان شفعة.
          وعن إبراهيم: لا شفعة إلا في دار أو أرض.
          وعن عمر بن عبد العزيز: «أنَّ النبيَّ صلعم قَضَى بالشفعةِ في الدينِ».
          وفي لفظ: «مَنِ ابْتَاعَ دينًا على رجلٍ فصاحبُ الدينِ أَوْلَى إِذَا [أَدَّى مثلَ الذي أَدَّى صَاحِبُهُ». والجوار غير الشريك لا تثبت على مذهب الشافعي ومالك وأحمد].
          وحكاه ابن المنذر عن عمر وعثمان وابن المسيب وسليمان بن يسار وعمر بن / عبد العزيز والزهري ويحيى الأنصاري وأبي الزناد وربيعة ومالك والأوزاعي والمغيرة بن عبد الرحمن وإسحاق وأبي ثور.
          وقال أبو حنيفة والثوري: يثبت بالجوار، وبه قال _فيما ذكره ابن أبي شيبة_ شريحٌ، فكان يقضي للرجل من أهل الكوفة للرجل من أهل الشام.
          وقال إبراهيم: الشريك أحق بالشفعة، فإن لم يكن [له] شريك فالجار.
          وفي لفظ: الخليط أحق من الجار، والجار أحق من غيره.
          وعن أبي حيان عن أبيه: أن عمرو بن حريث كان يقضي بالجوار، وعن الحكم عن علي وعبد الله أنهما قالا: «قَضَى رَسُولُ اللهِ صلعم بِالشُّفْعَةِ لِلْجِوَارِ».
          وعن الشعبي قال رسول الله صلعم: «الشريكُ أَوْلَى مِنَ الجَارِ، وَالجَارُ أَوْلَى مِنَ الجُنُبِ».
          وفي لفظ: «قَضَى رَسُولُ اللهِ صلعم بِالجِوَارِ».
          وعند الترمذي محسَّنًا وقال: صححه البخاري، عن الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرْضٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا قَسْمٌ إِلَّا الجِوَارُ؟ فقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: «الجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ».
          زاد عبد الملك بن أنس في كتابه: قال عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي الرازي عن عمرو بن الشريد، قلت لعمرو: ما سقبه؟ قال: الشفعة، فقلت: زعم الناس أنها الجوار، قال: الناس يقولون ذلك.
          قال ابن حزم: فهذا راوي الحديث لا يرى الشفعة بالجوار، ولا يرى لفظ ما رُوي يقتضي ذلك.
          وعن سمرة، قال رسول الله صلعم: «جَارُ الدارِ أحقُّ بالدارِ».
          أخبرنا [الشيخ أحمد بن منصور الجوهري قراءة عليه] عن عبد اللطيف الحراني عن يوسف بن [بن مبارك قال: أخبرنا سعد الخير قراءة عليه: أنبأنا أبو سعيد] الأبهري: أخبرنا الشيخان أبو بكر بن الحاجب وأبو حفص بن... عن أبي سعيد بن علقمة: أخبرنا أبو علي / الحسن بن علي بن نصر الطُّوسي قال: حَدَّثَنا أبو موسى محمد بن مثنى ومحمد بن يحيى الهذلي الذهلي: حَدَّثَنا أبو الوليد: حَدَّثَنا شعبة عن قتادة عن الحسن عنه ثم قال: يقال: حديث سمرة حسن صحيح.
          قال: وروى عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلعم مثله، والصحيح عند أهل العلم حديث الحسن عن سمرة، ولا يُعْرَف حديث قتادة عن أنس إلَّا من حديث عيسى بن يونس، وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه مرفوعًا في هذا الباب هو حديث حسن.
          ولمَّا ذكر الترمذي حديث سمرة قال: حسن صحيح.
          ولمَّا رواه ابن حزم من حديث أحمد بنِ جَنابٍ عن عيسى، قال أحمد بنُ جَنابٍ: أخطأ فيه عيسى، وإنما هو موقوف على الحسن، وهو عند النسائي من حديث إسحاق بن إبراهيم عن عيسى.
          وقال الدَّارَقُطْني: وهم فيه عيسى، وإنما هو موقوف عن الحسن.
          وعند ابن حزم من طريق قاسم بن أصبغ: حَدَّثَنا محمد بن إسماعيل: حَدَّثَنا الحسن بن سَوَّار: حدثنا أبو العلاء: حَدَّثَنا أيوب بن عتبة اليمامي، عن الفضل، عن قتادة، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، عن رسول الله صلعم أنه قال: «الجَارُ أَحَقُّ بِصَقبِ أَرْضِهِ» وردَّه بانقطاع ما بين قتادة وعبد الله، وبضعف أيوب وجهالةِ الفضل، قال: فإن كان ابنُ دَلْهَم فهو ساقط، وإن كان غيره فهو مجهول.
          وعند أبي داود عن جابر: «الجَارُ أَحَقُّ، بِسَقَبِهِ يُنْظَرُ فيه، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا»
          وقال فيه الترمذي: حسن غريب.
          عند عبد الله بن أحمد [عن سعيد عن عبد الملك عن عطاء عن جابر:] «الجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يَنْتَظِرُ بِهَا إِنْ كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» قال: أخر هذا، وقال مهنا: قلت لأحمد: لم قال شعبة: هذا حديث منكر، [فقال: حديث] الزهري عن أبي سلمة عن جابر يخالفه / ؟ قال أبو عبد الله: أحاديث عبد الملك عن عطاء مخالفة.
          ولمَّا ذكره الأشبيلي من طريق ابن أيمن بلفظ: قال جابر: اشتريتُ أرضًا إلى جَنْبِ أرضِ رجلٍ، فقالَ: أنا أحقُّ بِهَا، فاخْتَصَمْنَا إلى النبيِّ صلعم، فقلتُ له: يا رسولُ الله، ليس له في أرضي طريقٌ ولا حقٌّ، فقالَ صلعم: «هُوَ أحقُّ بِهَا، فَقَضَى له بالجوارِ» وذكر من عند الترمذي اللفظ الأول وقال: هذا يرويه سليمان بن داود عن هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء عنه، والذي قبله يرويه أحمد وغيره عن هشيم بهذا السند، والحديث يدور على العرزمي، وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث، ذكره الترمذي، ولا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة [من] أجل هذا الحديث، وهو حديث حسن غريب.
          وقال ابن أبي شيبة: حَدَّثَنا غندر عن شعبة قال: سألت الحكم وحمادًا عن الشفعة فقالا: إذا كانت الدار إلى جنب الدار ليس بينهما طريق ففيها شفعة.
          وعند الطحاوي: كتب عمر بن الخطاب إلى شُرَيْحٍ أن تقضي بالشفعة للجار الملاصق.
          وفي «كتاب القضايا» لأبي غانم من حديث الحكم عمن سمع عليًّا وعبد الله يقولان: «قَضَى النبيُّ بالجوارِ» وعن الشعبي مرسلًا مثله، وكذا عن الحسن.