التلويح شرح الجامع الصحيح

باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير

          ░38▒ وذكر البخاري في:بَابُ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ خَلَفَهُ بِخَيْرٍ
          حديث زَيْد بْن خَالِدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ تعالى فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» [خ¦2843].
          وهو حديث خرَّجه الستة، وفي كتاب ابن أبي عاصم من حديث الوليد بن أبي الوليد، عن عثمان بن سُرَاقة عن عمر بن الخطاب يرفعه: «من أظل رأس غازٍ أظلَّه الله ليوم القيامة، ومن جهَّز غازيًا حتى يستقل كان له مثل أجره حَتَّى يموت أو يرجع».
          ومن حديث ابن عقيل، أن عبد الرحمن بن سهل بن حُنَيف حدَّثه، أن أباه حدَّثه عن رسول الله صلعم: «مَن أعان مجاهدًا في غزوته أظله الله في ظلِّه يوم لا ظل إلا ظلُّه».
          ومن حديث عبد الله بن العلاء، قال: حدثني من سمع عبد الملك بن مروان يحدث عن أبي هريرة مرفوعًا: «من لم يغزُ، أو يجهز غازيًا، أو يخلف غازيًا في أهله بخير أصابه الله جلَّ وعزَّ بقارعة قبل يوم القيامة».
          ومن حديث يحيى بن الحارث عن القاسم، عن أبي أمامة مثله سواء.
          وعند الحاكم عن أبي سعيد: «من خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج»، وقال: صحيح الإسناد.
          وقال الطبري فيه: إِنَّ من أعَان مُؤمنًا على عمل برٍّ فللمعين عَلَيْهِ مثل أجر العَامِل، وَمثله المعونة على معاصي الله جلَّ وعزَّ، للمعين عَلَيْهَا من الوزر وَالإِثْم مثل مَا لعاملها، وَلذَلِك نهى عَن بيع السيوف فِي الفِتْنَة، وَلعن عاصر الخمر.
          قال القُرْطُبِي: ذهب بعض الأَئِمَّة إِلَى أَن المثل المَذْكُور فِي هذا الحَدِيث وَشبهه إِنَّمَا هُوَ بِغَيْر تَضْعِيف، قال: لِأَنَّهُ يجْتَمع فِي تِلْكَ الأَشْيَاء أَفعَال أُخَر وأعمال من البرِّ كَثِيرَة، لَا يَفْعَلهَا الدَّالُّ الَّذِي لَيْسَ عِنْده إلَّا مُجَرَّد النِّيَّة الحَسَنَة.
          وقَالَ صلعم: «أَيّكُم خلف الخَارِج فِي أَهله وَمَاله بِخَير فَلهُ مثل نصف أجر الخَارِج».
          وَقَالَ: «لينبعث من كلِّ رجلَيْنِ أَحدهمَا، وَالأَجْر بَينهمَا».
          قَالَ القُرْطُبِي: وهذا لَا حجَّة فِي الحَدِيث لوَجْهَيْنِ:
          أَحدهمَا: إنا نقُول بِمُوجبِه، وَذَلِكَ أَنه لم يتَنَاوَل مَحل النزاع، فَإِن المَطْلُوب إِنَّمَا هُوَ أَن النَّاويَ للخير المعوّق عَنهُ، هَل / لَهُ مثل أجر الفَاعِل من غير تَضْعِيف؟ وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا اقْتضى مُشَاركَة ومشاطرة فِي المضاعف فانفصلا.
          وَثَانِيهمَا: إن القَائِم على مَال الغَازِي وعَلى أَهله نَائِب عَن الغَازِي فِي عمل لَا يَتَأَتَّى للغازي غَزْوَة، إلَّا بِأَن يُكفى ذَلِك العَمَل، فَصَارَ كَأَنَّهُ مبَاشر مَعَه الغَزْو، فَلَيْسَ مُقْتَصرًا على النِّيَّة فَقَط؛ بل هُوَ عَامل فِي الغَزْو، وَلما كَانَ كَذَلِك كَانَ لَهُ مثل أجر الغَازِي كَامِلًا وافرًا مضاعفًا، بِحَيْثُ إِذا أضيف وَنسب إِلَى أجر الغَازِي كَانَ نصفًا لَهُ، وَبِهَذَا يجْتَمع معنى قَوْله: «من خلف غازيًا فِي أَهله بِخَير فقد غزا» [خ¦2843]، وَبَين معنى قَوْله فِي اللَّفْظ الأول: «فَلهُ مثل نصف أجر الغَازِي»، وَيبقى للغازي النِّصْف، فَإِن الغَازِي لم يطْرَأ عَلَيْهِ مَا يُوجب تنقيصًا لثوابه، وَإِنَّمَا هذا كَمَا قَالَ: «من فطر صَائِمًا كَانَ لَهُ مثل أجر الصَّائِم، لَا ينقصهُ من أجره شَيْء»، وَالله أعلم.
          وعَلى هَذَا: فقد صَارَت كلمة: «نصف»، مقحمةً هُنَا بَين: «مثل» و: «أجر»، وَكَأَنَّهَا زِيَادَة مِمَّن تسامح فِي إِيرَاد اللَّفْظ بِدَلِيل قَوْله: «وَالأَجْر بَينهمَا».
          وَيشْهد لَهُ مَا ذَكرْنَاهُ، وَأما من تحقق عَجزه وصدقت نِيَّته فَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف أَن أجره مضَاعف كَأَجر العَامِل المُبَاشر، لما تقدم، ولما روى النسائي عن أبي الدرداء: قال رسول الله صلعم: «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم فيصلي من الليل فغلبته عيناه حتى يصبح كان له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه».
          وذكر البخاري حديث [خ¦2844] دخوله صلعم على أم سُلَيم في هذا الباب لقوله فيه: «قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي».
          وأما «أرحمها» فهذا نوع من خلافة الغازي في أهله بخير.