التلويح شرح الجامع الصحيح

باب قول النبي: نصرت بالرعب مسيرة شهر

          ░122▒ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»
          ذكر فيه حديث أبي هريرة: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي» [خ¦2977].
          قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلعم، وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا.
          ثم ذكر حديث أبي سفيان عن هرقل وقوله: «لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ _يعني محمدًا_ إِنَّهُ ليَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ» [خ¦2978].
          قال ابن المنيِّر: المناسبة في دخول حديث أبي سفيان في هذا الباب لهذه اللَّفظة ؛ لأنَّ بين الحجاز والشام مسيرة شهر وأكثر.
          وعند الإسماعيلي: قال ابن شهاب: بلغني أنَّ (جَوَامِع الكَلِمِ) أنَّ الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تُكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد، أو الأمرين، أو نحو ذلك.
          وقال ابن المنيِّر: جوامع الكلم القرآن.
          وقال الخطابي: معناه إيجاز الكلام في إشباع المعاني.
          قال المهلب: الرُّعب شيء خصَّه الله وفضَّله به، لم يؤته أحدًا غيره.
          قال: ورأينا ذلك عيانًا.
          أخبرنا أبو محمد الأصيلي، قال: افتتحنا برشكولة، ثم صحَّ عندنا أنَّ أهل القسطنطينية ساعة بلوغهم خبرها صاروا على سورها وتحصَّنوا، وهى على أكثر من شهرين من برشكولة.
          قال الخطابي: وفيه دليل على أنَّ الفيء للنَّبيِّ صلعم يضعه حيث شاء لأنَّه / وصل إليه بالنصرة التي أُوتيها من قبل الرُّعب الذي أُلقي في قلوبهم منه.
          و(الفَيْءُ): هو كلُّ مال لم يُوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهو ما خلى عنه أهله وتركوه من أجل الرُّعب، وكذا ما صالحوا عليه من جزية أو خَراج من وجوه الأموال.
          وقوله: (تَنتَثِلُونَهَا) أي: تثيرونها من مواضعها وتستخرجونها، يقال: نثلت البئر وانتثلتها إذا استخرجت ترابها، وهو النَّثيل.
          وفي بعض الروايات: «وأَنتُم تَرغَثُونَهَا»، أي: تستخرجون دَرَّهَا وترضعونها.
          وفي ذكره حديث أبي هريرة المتقدم [خ¦2989]: «عَلَى كُلِّ سُلامَى مِن النَّاسِ صَدَقَةٌ»، وفيه: «يُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيهَا، أَو يَرفَعُ عَلَيهَا مَتَاعَه صَدَقَةٌ» الحديث، في (باب من أخذ بالرِّكاب ونحوه)، قال ابن بطَّال: وجه المطابقة في هذا أنَّ الإعانة على الدَّابَّة يدخل فيه الأخذ بالرِّكاب وغيره.
          زاد ابن المنير: لا من جهة عموم صيغة الفعل فإنه مطلق، ولكن بالمعنى المساوق. انتهى.
          أو يحتمل أنه أراد حديث أخذ العباس رضي الله عنه بركاب سيدنا رسول الله صلعم يوم حنين، والله تعالى أعلم.