التلويح شرح الجامع الصحيح

باب خلق ادم

          ░░60▒▒ باب خَلْقِ آدَمَ صلعم وَذُرِّيَّتِهِ
          في كتاب «الاشتقاق» لأبي جعفر النحاس، قيل: إنه اسم سرياني، وقيل: هو أفعل من الأدمة، وقيل: أخذ من لفظ الأديم؛ لأنه خُلِقَ من أديم الأرض، قاله ابن عباس، وقال قطرب: لو كان من أديم الأرض لكان على وزن فاعل، وكانت الهمزة أصلية، ولم يكن يمنعه من الصرف مانع، وإنما هو على وزن أفعل من الأدمة، ولذلك جاء غير مجري، قال أبو جعفر: وهذا القول ليس بشيء؛ لأنه لا يمتنع أن يكون من الأديم، ويكون على وزن أفعل، تدخل الهمزة الزائدة على الهمزة الأصلية، كما تدخل على همزة الأدمة، فإن الأدمة همزة أصلية؛ ولذلك أول الأديم همزة أصلية، فلا يمتنع أن يبنى منه أفعل، فيكون غير مجرى كما يقال: رجل أعين، وعند ابن الأنباري: يجوز أن يكون أفعل من أَدَمتُ بين الشيئين إذا خلطت بينهما، وكان ماء وطينًا، فخُلطا جميعًا، وفي «تفسير» محمد بن جرير: أولى الأشياء فيه / أن يكون فعلًا ماضيًا. وقال النضر بن شميل: سمي آدم لبياضه، وروينا وعن ابن بري فيما كتب على «المعرَّب» لأبي منصور الجواليقي: آدم: اسم عربي؛ لقول ابن عباس: خلق من أديم الأرض، ولولا ذلك لاحتمل أن يكون مثل آزر أعجميًّا، وبكون وزنه أفعل أو فاعل مثل: فالخ. ويكون امتناع صرفه للعجمة والتعريف إذا جعل وزنه فاعل، وهو بالعبراني: آدام _بتفخيم الألف_ على وزن خاتام، وفي «الوشاح» لابن دريد: خلق آدم مختونًا، وكذا نبينا وشيث وإدريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وسليمان وشعيب ويحيى وهود وصالح صلَّى الله عليهم أجمعين، زاد أبو الفرج في الكتاب «المنتظم»: وزكريا ونبي أهل الرس صلَّى الله عليهما وسلم، وفي «تاريخ الطبري»: من حديث أبي روق عن الضحاك، عن ابن عباس: «أمر الرب جل وعز بتربة آدم _صلعم_ فرفعت، فخلق آدم من طين لازب، ثم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين كانوا في الساموات اسجدوا لآدم، فسجدوا إلا إبليس»، وفي حديث سعيد بن جبير عنه: «بعث رب العزة جل وعز إبليس فأخذ من أديم الأرض من عذبها وملحها فخلق منه آدم، ومن ثم سمي آدم؛ لأنه خلق من أديم الأرض، ومن ثم قال إبليس: أأسجد لمن خلقت طينًا؟!» أي: هذِه الطينة أنا جئتُ بها، رواه عن ابن حميد: حدَّثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عنه، زاد الخُتّلي في «الديباج»: فقال له الله: ألم تعوذني منك الأرض؟ قال: بلى. قال: لأخلقن خلقًا يسوؤك منها. وروينا في «تاريخ ابن عساكر» قال النبي صلعم: «أهل الجنَّة ليس لهم كنى إلا آدم، فإنه يكنى أبا محمد»، وعن كعب: ليس أحد في الجنَّة له لحية إلا هو، وقيل: موسى. ذكره الطبري، وقيل: هارون / ، ومن حديث أسباط، عن السُّدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس. وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود. وعن أناس من الصحابة قالوا: أرسل الله جل وعز جبريل؛ ليأتيه بطين منها فعاذت بالله أن ينقصها، فرجع. وكذا قالت لميكال بعده، فأرسل ملك الموت، فلما عاذت قال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره. فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد، وفي حديث حبَّة [عن] علي: خلق آدم من أديم الأرض، ومن حديث عوف الأعرابي، بسند صحيح عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى قال رسول الله صلعم: «إن الله جل وعز خلق آدم صلعم من قبضة قبضها من جميع الأرض»، وعن سلمان بسند جيد: خمر الله طينة آدم أربعين يومًا ثم جمعه بيده، وعن ابن إسحاق: خلق الله آدم ثم وضعه ينظر إليه أربعين عامًا قبل أن ينفخ فيه الروح.
          قال ابن فورك: كان خلقه على الصورة التي كان عليها من غير أن كان ذلك حادثًا أو شيء منه عن توليد عنصر أو تأثير طبع أو فلك أو ليل أو نهار إبطالًا لقول الطبائعيين: إن بعض ما كان عليه آدم من صورته وهيئته لم يخلقه الله، وإنما كان ذلك من فعل الطبع أو تأثير الفلك، فنبه صلعم بقوله: إن الله خلق آدم على صورته على ما كان فيه لم يشاركه في خلقه أحد، واستفدنا بذلك بطلان قول من قال بتوليد الطبع وإيجابه، وتأثير الفلك وتغييره، وخص آدم بالذكر تنبيهًا على أن من شاركه من المخلوقات في معناه، هذه طريقة للعرب في التفهيم، بذكر أعلى ما في الباب للدلالة على الأدنى، فإذا علم ذلك في آدم، علم أن سائر التصويرات من أولاده وغيرهم حكمهم ذلك، وعند ابن منده من حديث جويبر عن الضحاك / ، عن ابن عباس: إن الله خلق آدم من طين بيده، وخلق الطين من الزبدة، والزبدة من الموج، والموج من البحر، والبحر من الظلمة، والظلمة من النور، والنور من الحر، والحر من الآية، والآية من المصورة، والمصورة من الياقوتة، والياقوتة من الكن، والكن من لا شيء.
          ومن حديث أبي صالح، عن ابن عباس ومرَّة، عن عبد الله: خلق الله آدم بيده؛ لكي لا يتكبَّر إبليس عنه، فجعله بشرًا أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرَّت به الملائكة ففزعوا منه، وكان أشدهم منه فزعًا إبليس، ويقول: لأمرٍ ما خلقت، لئن سلطت عليه لأهلكنه. قال ابن منده: ورُوِيَ عن النبي صلعم نحوه، وفي لفظ عن ابن عباس: أربعين سنة طينًا، وأربعين صلصالًا، وأربعين من حمأ مسنون، وتم خلقه بعد مئة وعشرين سنة، وقال ابن مسعود: بعد مئة وستين سنة. وعن ابن عباس: مكث أربعين ليلة جسدًا مُلقًى، وعن ابن سلام: خُلِقَ آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة على عَجَل.
          قال البخاري: (وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4] إِلَّا عَلَيْهَا).
          هذا التعليق رواه محمد بن جرير عن محمد بن سعد: حدَّثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس: قوله جل وعز: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4]، قال: كل نفس لما عليها حافظ: حفظةٌ يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا ابن آدم قُبضت إلى ربك جلَّ وعزَّ، وفي «تفسير» ابن عباس جمع ابن أبي زياد {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} يداه ورجلاه وملكاه اللذان يحفظان عليه عمله، قال أبو جعفر: اختلفت القرَّاء في قراءة ذلك، فقرأه أبو جعفر وحمزة: {لَمَّا} _بالتشديد_ وذُكِر عن الحسن أنه قرأه كذلك، يقول: إلا عليها حافظ، وكذا كل شيء في القرآن بالتثقيل، وقرأه أبو عمرو ونافع بالتخفيف، بمعنى: إن كل / نفس لعليها حافظ، وعلى أن اللام جواب (إنْ) و(مَا) التي بعدها صلة، وإن كان كذلك لم يكن مشددًا، والقراءة التي من اختار غيرها في ذلك بالتخفيف؛ لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، وقد أنكر التشديد جماعة أهل المعرفة بكلام العرب أن يكون معروفًا من كلام العرب، غير أن الفراء كان يقول: لا نعرف جهة التثقيل في ذلك، قال: ونرى أنها لغة في هذيل، يجعلون (إلَّا) مع (إن) المخففة (لما)، ولا يجاوزون ذلك كأنه قال: ما كل نفس إلا عليها حافظ، فإن كان صحيحًا ما ذكر الفراء من أنها لغة هذيل، فالقراءة بها جائزة صحيحة، وإن كان الاختيار أيضًا إذا صح ذلك عندنا بالقراءة الأخرى وهي التخفيف؛ لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، ولا ينبغي أن نترك الأعرف إلى الأنكر، وروينا في كتاب «المعاني» لأبي زكريا يحيى بن زياد: قرأه العوام {لَمَّا} بالتشديد، وخففها بعضهم، وذكر الماوردي في «تفسيره»: أن الشجرة التي نُهي عنها آدم هي البر، وقيل: التين، وقيل: الكافور، وقيل: الكرم، وقيل: العلم: وهو علم كل شيء، وقيل: علم ما لم يُعلم، وقيل: شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة.
          قال البخاري: (وقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}[الطارق:8] ردُّ النُّطْفَةُ فِي الإِحْلِيلِ).
          هذا التعليق رواه أبو جعفر من طرق منها: عن نصر الوشاء: حدَّثنا أبو قطن عمرو ابن الهيثم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن أبي بكر عن مجاهد، ولفظ ليث عنه على أن يرد الماء في الإحليل، وعن الضحاك: أي: إن شئت رددته كما خلقته من ماء، وفي رواية: «إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الصبي إلى النطفة»، وقال ابن زيد: يعني أنه على حبس ذلك الماء لقادر، وعن قتادة معناه: أن الله تبارك وتعالى لقادر على بعثه وإعادته، قال أبو جعفر: وأولى الأحوال بالصواب قول من قال: معناه أن الله تعالى على رد / الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيًّا كهيئته قبل مماته لقادر، وفي «تفسير عبد» عن علي قال: أن يردَّه نطفة في صلب أبيه.
          قال البخاري: (وَقَالَ أَبُو العَالِيَةِ: {فَتَلَقَّى آدَمُ}[البقرة:37] هوَ قَوْلُهُ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}[الأعراف:23]).
          هذا التعليق رواه ابن جرير عن أحمد بن إسحاق الأهوازي: حدَّثنا أبو أحمد قال: حدثنا سفيان وقيس عن خُصَيف عنه.