التلويح شرح الجامع الصحيح

باب أستئجار الرجل الصالح

          ░░37▒▒ (بَابُ اسْتِئْجَارُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ).
          وَقَوْلُ اللهِ جلَّ وعزَّ: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص:26].
          قال مقاتل بن سليمان في «تفسيره»: هذا قول صَفُوراءَ ابنة شعيب صلعم، وهي التي تزوجها موسى صلوات الله عليه وسلامه، وكانت توأمة عيزا / ، ولدت صفوراء قبلها بنصف يوم، وكان بين المكان الذي سقى فيه الغنم وبين شعيب ثلاثة أميال، فمشى معها، وأمرها أن تمشي خلفه وتدله على الطريق كراهية أن ينظر إليها وهما على غير جادة، فقال شعيب لابنته: من أين علمتِ قوَّته وأمانته؟ فقالت: أزالَ الحجر عن رأس البئر، وكان لا يطيقه إلا رجال، وذكرت أنه أمرها أن تمشي خلفه كراهية أن ينظر إليها.
          وفي «المعاني» للزجاج: ويُرْوَى في التفسير _يعني تفسير أحمد ابن حنبل_ أن أبا النبيين كان ابن أخي شعيب النبي صلعم، وكان الحجر لا يُقِلُّه أقل من عشرة أنفس، وقد قيل: كان لا يقله أقل من أربعين نفسًا، وذكر السُّهَيلي: أن شعيبًا هو [ابن] يثرون بن صَيْفون بن مدين بن إبراهيم صلعم، ويقال: شعيب بن مِلْكَاين، وقد قيل: لم يكن من مدين، وإنما هو من القوم الذين آمنوا بإبراهيم حين نجاه الله من النار، وابنتاه كيَّاء وصفوراء، وأكثر الناس على أنهما ابنتا شعيب، وقيل: إن شعيبًا من عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وروي: أن سلمة بن سعد لما انتسب للنبي صلعم إلى عنزة قال صلعم: «نِعْمَ الحيُّ عَنَزَة، رَهْطُ شُعَيْبٍ وأَخْتَانُ موسى صلعم» فإن صح هذا الحديث فعنزة إذًا ليس هو ابن أسد بن ربيعة، فإن مَعْدًا كان بعد شعيب صلعم بنحو من ألف سنة، وأخبرنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة في كتابه «الغرر»: إن إسم إحداهما شرفا، وقيل: صفورا، وقيل: صفيراء ابنتا يثرون بنتا أخي شعيب والتي تزوجها الصغرى، وذكره البخاري في (باب مَن أمر بإنجاز الوعد) حديث سعيد بن جبير: سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ أي: الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى، قُلْتُ: لَا أَدْرِي، حَتَّى أَسْأَلَ الحَبْر _يعني ابنَ عَبَّاسٍ_ فسألهُ فَقَالَ: «قَضَى أَفْضَلَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم / إِذَا قَالَ فَعَل».
          وهو حديث تفرد به البخاري دون الجماعة، وسيأتي شيء منه بعد هذا بيسير.
          قَالَ البُخَارِيُّ: (وَالخَازِنُ الأَمِينُ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ مَنْ أَرَادَهُ) هاتان اللفظتان ذكرهما في حديث أبي موسى الآتي بعدُ، والمتقدم في كتاب الزكاة بعضه، وهنا قال: (لَنْ _أَوْ لَا_ نَسْتَعْمِل عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ).
          قال الإسماعيليُّ: ليس في هذا معنى الإجارة، وقال الداودي: ذكره للخازن ليس من هذا الباب، لأنه لم يذكر فيه إجارة، وإنما أراد البخاري أن الخازن ليس له في المال شيء وإنما هو أجير، فلهذا أدخله في هذا الباب.
          وقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: لما كان طلب العمالة دلالة على الحرص وجب أن يحترز من الحريص عليها، وإنما أدخل الخازن في هذا الباب، لأنَّ من اسْتُؤْجِرَ على شيء فهو فيه أمين، وليس عليه في شيء منه ضمان.
          قال ابن التين: فيه دليل الإجارة لقوله تعالى: {وَالعَامِلِينَ عَلَيهَا}[التوبة:60].
          قال: وضُبط في بعض الكتب بضم الهمزة وفتح الواو وتشديد اللام فعل مستقبل، وفي بعضها بفتح الهمزة وسكون الواو، وكأنه شك هل قال: لن أو لا.
          وقال القرطبي: هذا نهي، وظاهره التحريم كما قال صلعم: «لَا تَسْأَلِ الإمارةَ إِنَّا وَاللهِ لَا نُوَلِّي عَلَى عَمَلِنَا هَذَا أَحَدًا يَسْأَلُهُ ويحرصُ عليهِ» [خ¦7149] فلما أعرض عنهما ولم يولِّهما لحرصهما، ولَّى أبا موسى الذي لا يحرص عليها.