التلويح شرح الجامع الصحيح

باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله}

          ░19▒ بَابُ فَضْلِ قَوْلِ اللهِ جلَّ وعزَّ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
          إلى قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ}[آل عمران:170].
          كر الحاكم صحيحًا عن ابن عباس، قال رسول الله صلعم: «لما أصيب إخوانكم بأُحُدٍ جعل الله أرواحهم في أجواف طير خُضْرٍ، ترد أنهار الجنَّة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظلِّ العرش، فلما وجدوا طيبَ مأكلِهم ومشربِهم ومقيلهم، قالوا: مَن يُبَلِّغ إخواننا عنَّا أنَّا أحياء في الجنَّة / نُرْزَق؟ لئلَّا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله جلَّ وعزَّ: أنَا أُبَلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا}[آل عمران:169] الآية».
          وذكره أيضًا الطبري عن ابن مسعود مرفوعًا مسندًا.
          وفي «الأسباب» للواحدي من حديث طلحة بن خِرَاش، عن جابر: قال لي رسول الله صلعم: ألا أخبرك؟ ما كلَّم الله أحدًا قط إلا من وراء حجابٍ، وإنَّه كلَّم أباك كفاحًا، فقال: أَعبدي سلني أعطيك. قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل ثانية. فقال: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب، فَأَبْلغ من ورائي، فأنزل الله جلَّ وعزَّ: {وَلا تَحْسَبَنَّ}[آل عمران:169] الآية.
          وقال سعيد بن جُبَير: لما أُصِيبَ حمزةُ ومصعب بن عمير ومن أُصِيبَ في أُحُد، ورأوا ما رُزِقوا من الخير، قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصبنا من الخير، فقال الله: أنا مبلغهم عنكم، فأنزل: {وَلا تَحْسَبَنَّ}.
          وقال أبو الضُّحى: نزلت في أهل أُحُدٍ خاصَّة.
          وقال جماعة من أهل التفسير: نزلت في شهداء بئر معونة.
          وقال آخرون: إنَّ أولياء الشهداء كانوا إذا أصابهم نعمةٌ أو سرور تحسَّروا، وقالوا: نحن في النعمة والسرور، وآباؤنا وأبناؤنا في القبور، فنزلت هذه الآيةُ تنفيسًا عنهم وإخبارًا عن حال قتلاهم.
          وقال مقاتل: نزلت في قَتْلَى بدرٍ، وكانوا أربعة عشر شهيدًا.