التلويح شرح الجامع الصحيح

باب الدعاء على المشركين

          ░98▒ وذكر البخاري في:بَابِ الدُّعَاءِ عَلَى المُشرِكِينَ
          عَنْ عَائِشَةَ: أنَّ اليَهُود دَخَلُوُا عَلَى النَّبِيِّ صلعم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَلَعَنَتهُم، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟» قَالَت: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَفَلَم تَسمَعِي مَا قُلتُ؟ وَعَلَيكُم».
          وذكر في الاستئذان من كتابه حديث ابن عمر [خ¦6257] وأنس [خ¦6258].
          وعند النَّسائي عن أبي بصرة قال صلعم: «إِنِّي رَاكِبٌ إِلَى اليَهُودِ، فَمَن انطَلَقَ مَعِي، فَإِن سَلَّمُوا / عَلَيكُم فَقُولُوا: وَعَلَيكُم».
          وعند ابن ماجه من حديث ابن إسحاق عن أبي عبد الرحمن الجهني _وصحبته مختلف فيها_ مثله.
          وعند ابن حبان من حديث أنس قال صلعم: «أَتَدرُونَ مَا قَالَ؟» قَالُوا: سَلَّمَ، قَالَ: «لَا، إِنَّما قَالَ: السَّامُ عَلَيكُم، أَي: تُسَامُونَ دِينَكُم، فَإِذَا سَلَّمَ عَلَيكُم رَجُلٌ مِن أَهلِ الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيكَ».
          قال الخطابي: رواية عامَّة المحدثين: «وَعَلَيكُم» بالواو، وكان ابن عيينة يرويه «عَلَيكُم» بحذف الواو، وهو الصَّواب؛ وذلك أنَّه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه بعينه مردودًا عليهم، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم والدُّخول فيما قالوه؛ لأنَّ الواو حرف العطف والاجتماع بين الشيئين.
          وعند أبي عمر: ورواه عن يحيى، عن مالك، عن ابن دينار: «عَلَيكَ» بلفظ الواحد.
          وقال القرطبي: الواو هنا زائدة، وقيل: الاستئناف، وحذفها أحسن في المعنى وإثباتها أصحُّ رواية وأشهر.
          وقال المنذري: من فسَّر السَّام بالموت فلا يبعد الواو، ومن فسَّره بالسَّآمة فإسقاط الواو هو الوجه.
          قال ابن الجوزي: وكان قتادة يمد ألف السَّآمة.
          وذهب عامَّة السَّلف وجماعة الفقهاء إلى أنَّ أهل الكتاب لا يُبدَؤون بالسلام، حاشا ابن عبَّاس، وصديُّ بن عجلان، وابن محيريز فإنَّهم جوَّزوه ابتداءً.
          قال النَّووي: وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي، ولكنه قال: يقول: عليك، ولا يقول: عليكم، بالجمع. وحكي أيضًا أنَّ بعض أصحابنا جوَّز أن يقول: وعليكم السَّلام فقط، ولا يقول: ورحمة الله وبركاته، وهو ضعيف مخالف للأحاديث.
          وذهب آخرون إلى جواز الابتداء للضَّرورة، أو لحاجة تعنُّ له إليه، أو لذمام وسبب، وروي ذلك عن إبراهيم وعلقمة.
          وقال الأوزاعيُّ: إن سلَّمت فقد سلَّم الصَّالحون، وإن تركت فقد ترك الصَّالحون، وتُؤِّل / لهم قوله: «لَا تَبدَؤوهُم بِالسَّلَامِ»؛ أي: لا تبدؤوهم كسلامكم بالمسلمين.
          واختلفوا في ردِّ السَّلام: فريضة على المسلمين والكفَّار بالواو، وهذا تأويل قوله: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء:86]. قال ابن عبَّاس وقتادة في آخرين: هي عامَّة في الرَّدِّ على المسلمين والكفار، وقوله {أَوْ رُدُّوهَا} يقول للكافر: وعليكم. قال ابن عبَّاس: من سلَّم عليك من خلق الله تعالى فاردد عليه وإن كان مجوسيًّا.
          وروى ابن عبد البر عن أبي أمامة الباهلي أنَّه كان لا يمرُّ بمسلم، ولا يهوديٍّ، ولا نصرانيٍّ، إلا بدأه بالسَّلام.
          وعن ابن مسعود، وأبي الدَّرداء، وفضالة بن عبيد: أنَّهم كانوا يبدؤون أهل الكتاب بالسَّلام.
          وكتب ابن عباس إلى كتابيٍّ: السَّلام عليك. وقال: لو قال لي فرعون خيرًا لرددت عليه.
          وقيل لمحمَّد بن كعب: إنَّ عمر بن عبد العزيز يردُّ عليهم ولا يبتديهم؟ فقال: ما أرى بأسًا أن نبدأهم بالسَّلام. ولقول الله جلَّ وعزَّ: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ}[الزخرف:89]. وفي هذا ردٌّ لما ذكرناه قبل.
          وقال طائفة: لا يردُّ السَّلام على الكتابيِّ، والآية مخصوصة بالمسلمين، وهو قول الأكثرين.
          وعن ابن طاوس يقول: علاكَ السَّلام.
          واختار بعضهم أن يردَّ عليهم السِّلام بكسر السِّين؛ أي: الحجارة.
          وعن شيخنا القشيري: لو تحقَّقنا قولهم السَّلام، فهل يقال: إنَّه لا يمتنع الردُّ عليهم بالسَّلام الحقيقيِّ كالمسلم، أو يقال بظاهر الأمر؟ ويترجَّح الثَّاني بظاهر اللَّفظ، ويترجَّح الأوَّل بالنَّظر إلى المعنى.
          وعن مالك: إن بدأت ذميًّا على أنَّه مسلم، ثم عرفت أنَّه ذمي فلا تسترد منه السَّلام.
          قال ابن العربي: وكان ابن عمر يسترده منه فيقول: اردد عليَّ سلامي.
          وأدخل بعضهم حديث اليهودي في (باب من سبَّ النَّبيَّ صلعم).
          قال أبو عمر: وهذا عندي لا وجه له.
          وستأتي تكملته في كتاب الأدب.
           وذكر البخاريُّ في (بَابِ إِرْشَاد المُسلِمِ أَهلَ الكِتَابِ أَو تَعَلُّمَهُم الكِتَابَ) كتابَ / النَّبيِّ صلعم إلى قيصر المذكور أوَّل الكتاب [خ¦2936].
          قال ابن بطَّال: إرشاد أهل الكتاب ودعاؤهم إلى الإسلام على الإمام، وأمَّا تعليمهم الكتاب فاستدلال الكوفيون على جوازه بكتابته صلعم آية من كتاب الله بالعربيَّة، فعلَّمهم كيف حروف العربيَّة، وكيف تأليفها، وكيف اتِّصال ما بينها، قالوا: فهذا تعليم لهم؛ لأنَّهم لم يقرؤوه حتَّى تُرجِم لهم، وفي الترجمة تعريف ما يوافق من حروفها حروفهم.
          قال أبو حنيفة: لا بأس بتعليم الحربيِّ والذميِّ القرآن والعلم والفقه؛ رجاء أن يرغبوا في الإسلام، وهو أحد قولي الشَّافعي.
          وقال مالك: لا يُعلَّمون الكتاب ولا القرآن، وهو قول الشَّافعي الآخر.
          قال: وكره مالك إذا كان صيرفيٌّ يهوديٌّ أو نصرانيٌّ أن يصرف منهم.
          احتجَّ الطحاوي لأصحابه بكتاب هرقل وبقوله جلَّ وعزَّ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ}[التوبة:6]، وروى أسامة بن زيد: مرَّ النَّبيُّ صلعم على ابن أُبَيِّ قبل أن يسلم، وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود، فقرأ عليهم القرآن.