التلويح شرح الجامع الصحيح

باب ما جاء في سجود القرآن

          ░░17▒▒ بَاب مَا جَاءَ فِي سُجُودِ القُرْآنِ وَسُنَّتِهَا
          اختلف العلماء في سجود التلاوة؛ فذهب أبو حنيفة إلى وجوبها على التالي والسامع، سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد، لقوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}[الانشقاق:20-21]، ولقوله: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}[النجم:62]، وقال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}[العلق:19]، وما نذكره من الأحاديث بعدُ.
          قالوا: ولأن الذم لا يتعلق إلا بترك واجب، وما تلوناه من الآي أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
          وحكاه في «المصنف»: عن حفص عن حجَّاج عن حماد عن إبراهيم ونافع وسعيد بن جبير أنهم قالوا: مَن سمع السجدة فعليه أن يسجد.
          وحدَّثنا عبدة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي قال: كنتُ أَعرِضُ على أبي وهو يعرض عليَّ في الطريق، فيمر بالسجدة فيسجد، فقلت له: أتسجد في الطريق؟ فقال: نعم، كذا قاله أبو العالية.
          وعن إبراهيم بسند صحيح: إذا سمع الرجل السجدة وهو يصلي فليسجد.
          وعن الشعبي: كان أصحاب عبد الله إذا سمعوا السجدة سجدوا، في صلاة كانوا أو غيرها.
          وقال شعبة: سألت حمادًا عن الرجل يصلي فيسمع السجدة؟ قال: يسجد، وقال الحكم مثل ذلك.
          وحدَّثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن إبراهيم أنه كان يقول في الجُنُب: إذا سمع السجدة / يغتسل ثم يقرؤها فيسجدها، فإن كان لا يحسنها قرأ غيرها ثم سجد.
          وحدَّثنا حفص، عن حجَّاج، عن فضيل، عن إبراهيم، وعن حماد وسعيد بن جبير قالوا: إذا سمع الجنب السجدة اغتسل ثم سجد.
          وحدَّثنا عبيد الله بن موسى عن أبان العطار عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عثمان في الحائض تسمع السجدة؟ قال: تومئ برأسها إيماءً.
          وحدَّثنا محمد بن بشر: حدَّثنا سعيد عن قتادة عن ابن المسيب قال: تومئ برأسها وتقول: اللهم لك سجدت.
          وعن الحسن في رجل نسي السجدة من أول صلاته فلم يذكرها حتى كان في آخر ركعة من صلاته قال: يسجد فيها ثلاث سجدات، فإن لم يذكرها حتى يقضي صلاته غير أنه لم يُسَلِّم بعدُ، قال: يسجد سجدة واحدة ما لم يتكلم، فإن تكلم استأنف الصلاة.
          وعن إبراهيم: إذا نسي السجدة فليسجدها متى ما ذكرها في صلاته.
          وسئل مجاهد: يشك في سجدة وهو لا يدري أسجدها أم لا؟ قال مجاهد: إن شئت فاسجدها، فإذا قضيت صلاتك فاسجد سجدتين وأنت جالس، وإن شئت فلا تسجدها، واسجد سجدتين وأنت جالس في آخر صلاتك.
          وذهب الشافعي ومالك _في أحد قوليه_ وأحمد وإسحاق والأوزاعي وداود إلى أنها سنة.
          قال عمر بن الخطاب في البخاري: إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء.
          قالوا: وقوله هذا والصحابة حاضرون، والإجماع السكوتي حجَّة عندكم، قالوا: وبه قال سلمان وابن عباس وعمران بن حصين، واستدلوا بما يأتي من الأحاديث، وبما رواه مسلم عن أبي هريرة يرفعه: «إذا قرأ ابنُ آدم السجدة [فسجد] اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويلي أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنَّة» الحديث، وكأنَّه مذهب البخاري، والله تعالى أعلم.
          ولِقائل أن يقول: إن سلمان كان مذهبه في السجود مذهب أحمد، وهو إذا جلس لها وقصد سماعها، كذا حكاه ابن أبي شيبة.
          وعن مالك سجودها فضيلة.