التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: اللهم اجعل في قلبي نورًا

          6316- قوله: (عَنْ سُفْيَانَ): الظاهر أنَّه الثَّوريُّ؛ وذلك لأنِّي نظرت ترجمة سلمة بن كُهَيل؛ فوجدتُ عَبْد الغَنيِّ الحافظَ في «الكمال» ذكره في الرواة عنه، ولم يذكر ابنَ عُيَيْنَة، وكذلك الذَّهَبيُّ في «تذهيبه»، فغلب على ظنِّي أنَّه الثَّوريُّ، وأمَّا ابن مهديٍّ؛ فإنَّه روى عنهما، وقدَّمت هنا أنَّ (سَلَمَةَ): هو ابن كُهَيل، وتقدَّمت (مَيْمُونَة) أمُّ المؤمنين، وتَقَدَّمَ بعض ترجمتها، ومتى تزوَّج بها، ومتى تُوُفِّيَت، وأنَّها تُوُفِّيَت بسَرِف؛ المكانِ الذي دخل بها فيه، وأنَّها خالة ابن عَبَّاس وخالدِ بن الوليد [خ¦210] [خ¦1837] [خ¦5067].
          قوله: (فَأَتَى حَاجَتَهُ): يعني: الخلاء.
          قوله: (شِنَاقَهَا): تَقَدَّمَ ضبطه، وما هو، وأنَّه ما يُربَط به فم القِربة، و(وُضُوءًا): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الواو، وهو الفعل، وأمَّا الماء؛ فبالفتح، ويجوز في كلٍّ اللُّغَتان؛ الضمُّ والفتحُ [خ¦4-233]، وتَقَدَّمَ (كَرَاهِيَةَ)، وأنَّها بتخفيف الياء، وأنَّه يجوز في اللغة: كراهي [خ¦417].
          قوله: (فَتَمَطَّيْتُ): هو بغير همزٍ، كذا في أصلنا، وهو الصواب، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (تمطَّيت) في (غزوة بدر) [خ¦3998].
          قوله: (أَنِّي كُنْتُ أَرْقُبُهُ(1)): كذا في أصلنا، وفي الهامش نسخةٌ: (أتَّقيه)، وعليها (صح)، وفي نسخةٍ أخرى: (أرتقبه)، وعلى هذه علامةُ نسخة الدِّمْيَاطيِّ، وفي «نهاية ابن الأثير»: (أنِّي أَبْقيه _يعني: بفتح الهمزة، ثُمَّ مُوَحَّدة ساكنة، وهذه في بعض أصولنا الدِّمشقيَّة، قال_: أي: أنظره وأرصده)، انتهى، وكذا في «الصحاح»، ولفظه: (وبقيته؛ أي: نظرتُ إليه وترقَّبتُه).
          قال الشيخ محيي الدين النَّوَويُّ في «شرح مسلم» في (باب صلاة النَّبيِّ صلعم / ودُعائِه بالليل) في هذا الحديث: (ووقع في «البُخاريِّ»: «أَبْقِيه»؛ بمُوَحَّدة، وقاف، ومعناه: أرقبه، وهو معنى: «أَنْتَبِهُ له»)، انتهى؛ يعني: التي في «مسلم»، وفي «المطالع»: (وفي الحديث الآخَرِ من رواية ابن السكن والقابِسيِّ والأصيليِّ: «كنتُ أُبَقيه»؛ مثل رواية: «بَقَيتُ» في الحديث الأوَّل؛ أي: أَرْتَقِبُه، ولغيرهم: «أتَّقيه»، وعند الطرابلسيِّ: «أَبغِيه»، وفي «مسلم» عند شيوخنا: «أَنْتَبِهُ»، ورواه أيضًا البرقانيُّ: «أَرْتَقِبُه»، وأجوده: «بَقَيتُ»، و«أُبَقيه»، و«ترقَّبتُ»، و«ارتَقَبْتُ»).
          قوله: (فَأَخَذَ بِأُذُنِي، فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ): تَقَدَّمَ أنَّ المُحَوَّلين من الشمال إلى اليمين أربعةُ أشخاص: ابنُ عَبَّاس في «البُخاريِّ» [خ¦117] و«مسلم»، وجابرُ بن عَبْد الله في «مسلم»، وجَبَّار بن صخر في «مسند أحمد»، وحُذيفة بن اليماني في «زوائد معجمَي الطَّبَرانيِّ»، والله أعلم [خ¦117].
          قوله: (فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ): تَقَدَّمَ أنَّ مِن خصائصه صلعم أنَّ وضوءَه لا ينتقض بالنوم على أيِّ صفةٍ كان النومُ، وسواء كان طويلًا أو قصيرًا، ثقيلًا أو خفيفًا، قاعدًا أو نائمًا أو قائمًا [خ¦213] [خ¦698].
          قوله: (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ): تَقَدَّمَ أنَّ فيه: (يتوضَّ)، و(يتوضَّأْ)، و(يتوضَّا)، في (الوضوء) مُطَوَّلًا؛ فانظره إن أردته [خ¦138].
          قوله: (اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا...) إلى آخره: قال ابن قُرقُول: (هدايةً وبيانًا وضياءً للحقِّ، ويَحتمل أن يريدَ الرزقَ الحلالَ؛ حتَّى تَقوَى به على هذه الأعضاء المذكورة للطاعة)، انتهى.
          قوله: (وَاجْعَلْ لِي نُورًا): وفي «مسلم»: (واجعلني نورًا)، قال ابن سبع: (مِن خصائصه ◙: أنَّه كان نورًا، فكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا يظهر له ظلٌّ، ويشهد له أنَّه صلعم سأل الله ╡ أن يجعلَ في جميع أعضائِه وجِهاتِه نورًا، وختم ذلك بقوله: «واجعلني نورًا»)، انتهى.
          وقد ذكر شيخُنا ابن العاقوليِّ في «الرَّصْف»: (عن ذكوان مولى عائشةَ: «أنَّ رسول الله صلعم لم يكن يُرَى له ظلٌّ في شمسٍ ولا قمرٍ، ولا(2) أثر قضاء حاجة»، أخرجه أبو عبد الله الحَكِيمُ التِّرْمِذيُّ، وقال: معناه: لا يطأ عليه كافرٌ يكون له مذلَّة)، انتهى.
          وقد رأيتُ أنا في «مسند أحمد» من حديث صفيَّة بنت حُيَيٍّ حديثًا، وفيه: (فلمَّا كان ربيع الأوَّل؛ دخل عليها، فرأت ظلَّه، فقالت: إنَّ هذا لظلُّ(3) رجلٍ، وما يدخل عليَّ النَّبيُّ صلعم، فمَن هذا؟...)؛ الحديث، ولعلَّ هذا كان قبل الدُّعاء، فإنَّ ابن عَبَّاس متأخِّرُ الصُّحبة، وهو راوي حديث: «واجعلني نورًا»، والله أعلم.
          قوله: (وَسَبْعٌ فِي التَّابُوتِ): قال ابن قُرقُول: (قيل: معناه: نسيتُها، وقد وقع في رواية أبي الطاهر في «مسلم»: «ونسيتُ ما بَقِيَ»، فقد يريد: أنَّها كانت عنده مكتوبةً في كُتُبه في تابوتِه، كذا قال بعضُهم، وقد يَحتمل عندي أن يريدَ: أنَّها في جسده وجوفِه، ألا تَراه كيف قال: «فلقيتُ بعضَ ولدِ العَبَّاس، فحدَّثني بهنَّ، فذكر: عصبي، ولحمي، ودمي، وشَعري، وبشري؟»، ويكون نسيانه لما بقي من تمام السبعة)، انتهى، وفي «النهاية»: (أصل «التابوت»: الأضلاعُ وما تحويه؛ [كالقلبِ] والكبدِ(4)، وغيرِهما؛ تشبيهًا(5) بالصندوق الذي يُحرَز فيه المتاع؛ أي: أنَّه مكتوبٌ(6) موضوعٌ في الصندوق)، انتهى.
          قوله: (فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ وَلَدِ العَبَّاسِ، فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ): قائل ذلك هو سلمة بن كُهَيل، كذا قاله الشيخ محيي الدين النَّوَويُّ في «شرح مسلم»، وفي طُرَّة أصلنا بخطِّ بعض علماء الحنفيَّة: (قيل: هو عليُّ بن عبد الله بن العَبَّاس، قاله أبو ذرٍّ)، انتهى؛ يعني: الرجل المبهم من ولد العَبَّاس، وقال بعضُ حُفَّاظ مِصْرَ من المُتَأخِّرين: (هو داود بن عليِّ بن عبد الله بن العَبَّاس، رواه التِّرْمِذيُّ وغيرُه من جهته)، انتهى.
          والقائل (فَلَقِيتُ): هو سلمةُ بن كُهَيل الراوي له عن كُرَيب، لا كُرَيب، وقيل: هو كُرَيب، والذي لقيه عليُّ بن عبد الله بن عَبَّاس.
          قوله: (فَذَكَرَ: عَصَبِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعَرِي وَبَشَرِي، وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ): في «مسلم»: «في لساني نورًا... وفي نفسي نورًا»، وقال شيخنا: (قال ابن بَطَّال: «وقد وجدتُ الخَصْلَتَين من رواية داود بن عليِّ بن عبد الله بن عَبَّاس عن أبيه: وهما: اللهم اجعل نورًا في عظامي، ونورًا في قبري»، انتهى، وقال الداوديُّ: «والخَصْلَتين: العظمُ والمخُّ»)، انتهى، والله أعلم.


[1] كذا في (أ) و(ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (أَتَّقِيهِ).
[2] في (أ): (له)، والمثبت من مصدره.
[3] في (أ): (ظل)، والمثبت من مصدره.
[4] ضبط في (أ) بالرفع، وسببه ما في العبارة من سقط، ولعلَّه وقع في نسخة المصنف كذلك.
[5] في (أ): (نسيتها)، والمثبت من مصدره.
[6] كذا في (أ)، وفي مصدره: (مكنون).