التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب الدعاء عند الكرب

          قوله: (بَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ الكَرْبِ): ذكر فيه حديثَ ابن عَبَّاس ☻ المشهورَ [خ¦6345]، فإن قلت: إنَّ هذا ذِكْرٌ، وليس بدعاءٍ؟ فالجوابُ: أنَّه ذِكرٌ يُسْتَفتَح به الدعاء، ثُمَّ يدعو بما شاء، على ما روى عَبْد بن حُمَيدٍ في «مسنده» بإسناده إلى أبي العالية عن ابن عَبَّاس: (أنَّه ◙ كان إذا حَزَبَه أمرٌ؛ قال هذا الذِّكْرَ، ثُمَّ يدعو)، توضِّحه رواية الأعمش عن التيميِّ(1) قال: (كان يُقال: إذا بدأ الرجلُ بالثناء قَبل الدعاء؛ استوجبَ، وإذا بدأ بالدعاء قَبل الثناء؛ كان على الرَّجاء)، وقد أوضح هذا المعنى ابنُ مسعودٍ ☺، قال: (إذا خشيتُم من أميرٍ ظُلمًا؛ فقولوا(2): اللَّهُمَّ ربَّ السماوات وربَّ العرش العظيم؛ كن لي جارًا من فلان وأشياعِه من الجنِّ والإنس...) إلى آخره، ويَحتمل أيضًا ما رُويَ عن الحُسين المرُّوْذيِّ قال: سألتُ ابنَ عُيَيْنَة: ما كان أكثرَ قوله ◙ بعَرَفة؟ قال: «لا إله إلَّا الله»، فـ «سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولله الحمدُ»، ثُمَّ قال لي سفيان: إنَّما هو ذكرٌ، وليس فيه دعاءٌ، ثُمَّ قال: أمَا علمتَ قولَ الله حيث يقول: «إذا شغل عبدي ثناؤه عليَّ [عن] مسألتي؛ أَعطيتُه أفضلَ ما أُعطي السائلين...» إلى أن قال سفيان: أَمَا علمتَ قولَ أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت؛ بيتين ثانيهما:
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ المَرْءُ يَوْمًا                     كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ
          والله أعلم، ذكر ذلك شيخنا [من] غير عزوِ الحديث لعبد بن حُمَيدٍ.


[1] في (أ) تبعًا لـ «التوضيح» ░29/274▒ و«ابن بطال» ░2/413▒: (النخعي)، والمثبت من «مصنف ابن أبي شيبة»، وقد جاءا بها على الصواب في «التوضيح» ░15/88▒ و«ابن بطال» ░6/408▒، وإبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، وإبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخَعيُّ، كلاهما روى عنهما الأعمش، انظر «تهذيب الكمال» ░2/232▒ و░2/233▒.
[2] في (أ): (فيقول)، ولعلَّ المُثبتَ هو الصَّوابُ.