التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب قول النبي: «من آذيته فاجعله له زكاةً ورحمة»

          قوله: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: «مَنْ آذَيْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً»): ذكر في هذا الباب حديثًا واحدًا، قال الشيخ محيي الدين النَّوَويُّ في «شرح مسلم»: (قوله صلعم: «اللَّهُمَّ إنَّما أنا بشرٌ، فأيُّ المسلمين لعنتُه أو سببتُه؛ فاجعلْه له زكاةً وأجرًا»، وفي رواية: «أو جلدتُه؛ فاجعلْها له زكاةً [ورحمةً]»، وفي رواية: «فأيُّ المؤمنين آذيتُه؛ شتمتُه (1) لعنتُه [جلدتُه؛ فاجعلْها له صلاةً وزكاةً وقُربةً تُقرِّبُه بها إليك يوم القيامة»، وفي رواية](2): «إنَّما مُحَمَّدٌ بشرٌ، يغضب كما يغضب البشر، وإنِّي اتَّخذت عندك عهدًا لن تُخلِفَنِيه، فأيُّما مؤمن آذيتُه أو سببتُه أو جلدتُه؛ فاجعلْها له كفارةً وقُربةً»، وفي رواية: «أَنِّي اشترطتُ على ربِّي، فقلتُ: إنَّما أنا بشرٌ، أرضى كما يرضى البشر، وأغضبُ كما يغضبُ البشر، فأيُّما أحدٍ دعوتُ عليه من أُمَّتي بدعوةٍ ليس لها بأهلٍ؛ أن تجعلَها له طَهورًا وزكاةً وقُربةً(3)»، هذه الأحاديث مبيِّنةٌ ما كان عليه النَّبيُّ صلعم من الشَّفَقَةِ على أُمَّتِه، والاعتناءِ بمصالحهم، والاحتياطِ لهم، والرغبةِ في كلِّ ما ينفعهم، وهذه الرواية المذكورة أخيرًا تُبيِّنُ المرادَ بباقي الروايات المُطْلَقة، و[أنَّه] إنَّما يكونُ دُعاؤُه عليه رحمةً وكفَّارةً وزكاةً ونحوَ ذلك إذا لم يكن أهلًا للدعاء عليه والسبِّ واللَّعْنِ ونحوِه، وكان مسلمًا، وإلَّا؛ فقد دعا صلعم على الكفَّار والمنافقين، ولم يكن ذلك رحمةً.
          فإن قيل: كيف يدعو على مَن ليس هو أهلٌ للدعاء عليه، أو يسبُّه، أو يلعنه، ونحو ذلك؟ والجواب ما أجاب به العلماء، ومختصره وجهان: أحدُهما: أنَّ المراد: ليس بأهل لذلك عند الله تعالى، وفي باطن الأمر، ولكنَّه في الظاهر مستوجِبٌ له، فيظهر له صلعم استحقاقُه لذلك بأمارةٍ شرعيَّة، ويكون في باطن الأمر ليس أهلًا لذلك، وهو صلعم مأمورٌ بالحكم بالظاهر، والله يتولَّى السرائر، والثاني: أنَّ ما وقع من سبِّه ودعائه ونحوِه ليس بمقصودٍ، بل هو ما جرت به عادة العرب في وَصْل(4) كلامها بلا نيَّة؛ كقوله: «تَرِبت يمينك»، و«عَقْرَى حَلْقَى»، وفي هذا الحديث: «لا كَبِرْتِ [لا كَبِر] سنُّك»، وفي حديث معاوية ☺ بعده: «لا أشبع الله بطنه»، ونحو ذلك، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقةَ الدعاء، فخاف صلعم أن يصادِفَ شيءٌ من ذلك إجابةً، فسأل ربَّه سبحانه وتعالى ورَغِب إليه أن يجعل ذلك رحمةً، وكفَّارةً، وقُربةً، وطَهورًا، وأجرًا، وإنَّما كان يقع منه هذا في النادر الشاذِّ من الأزمان، ولم يكن صلعم فاحشًا ولا مُتَفَحِّشًا...، وقال: «اللَّهُمَّ؛ اغفِر لقومي؛ فإنَّهم لا يعلمون»)، انتهى لفظه، والله أعلم.


[1] زيد في (أ): (أو)، والمثبت من مصدره.
[2] ما بين معقوفين ليس في (أ)، وأثبت من مصدره.
[3] في (أ): (وتوبة)، والمثبت من مصدره.
[4] في (أ): (وهل)، والمثبت من مصدره.