التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب دعوة النبي لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله

          قوله: (بَابُ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صلعم لِخَادِمِهِ بِطُولِ العُمُرِ وَبِكَثْرَةِ مَالِهِ): ثُمَّ ذكر حديث أنسٍ ☺، وليس فيه طولُ العُمُر، ولكن ورد في بعض طرق الحديث، ويُؤخَذ أيضًا من دعوته بكثرة الولد؛ لأنَّه لا يكون ذلك إلَّا في كثيرٍ من السنين، فدُعاؤه له بكثرة الولد دعاءٌ له بطول العُمُر، ويدخل أيضًا في قوله: «وبارِك له فيما أعطيتَه»، والعُمُر ممَّا أعطاه، وأمَّا كثرة ماله؛ فكانت نَخْلُه تَطْرَح في السنة مرَّتين، وفي «التِّرْمِذيِّ» في (المناقب): (وكان له بُستانٌ يَحمل في السنة مرَّتين، وكان فيه رَيحانٌ يَجيء منه رائحةُ المِسْك)، وأمَّا كثرةُ ولده؛ فهو أحدُ الصَّحَابة الذين لم يموتوا حتَّى رأَوا من صلبهم مئةَ ولدٍ ذَكَرٍ، وقد تَقَدَّمَ في (الصوم) تحديثَه عنِ ابنتِه أُمَينةَ: أنَّها أخبرته: أنَّه دُفِن لصُلْبِه مَقْدَمَ حَجَّاج البصرةَ مئةٌ وبضعٌ وعشرون [خ¦1982]، وقد تَقَدَّمَ أنَّه قَدِمها سنة خمسٍ وسبعين [خ¦1982]، ووُلِدَ لأنسٍ بعد قدوم الحجَّاج(1) البصرةَ أولادٌ كثير ببركة دعائه ╕، قال الشيخ محيي الدين النَّوَويُّ: (وكان أكثر الصَّحَابة أولادًا) انتهى.
          وأمَّا عُمُرُه؛ فجاوز المئة على قول الأكثر، قال النَّوَويُّ: (واتَّفق العلماء على مجاوزة عُمُره مئةَ سنةٍ، والصحيح الذي عليه الجمهور: أنَّه تُوُفِّيَ سنة ثلاثٍ وتسعين، وقيل: سنة تسعين، وقيل: سنة خمسٍ وتسعين، وقيل: سنة سبعٍ وتسعين)، انتهى، قال ابن عَبْدِ البَرِّ في «استيعابه»: (وأصحُّ ما فيه؛ يعني: أنَّه عاش مئةَ سنةٍ إلَّا سنةً)، انتهى.
          قال شيخنا: (ودعا له برابعةٍ؛ وهي المغفرة، وتُرجَى له)، انتهى.
          فإن قلت: فما معنى دعائه بطول العُمُر؟ فالجواب عنه ما تَقَدَّمَ في قوله: «ويُنْسَأَ له في أثره» في أوائل (البيع) [خ¦2067].
          فائدةٌ: قال ابن قُتَيْبَة في «معارفه»: (ثلاثةٌ من أهل البصرة لم يموتوا حتَّى رأى كلُّ واحدٍ منهم مئةَ ذَكَرٍ من صُلبه: أنس بن مالك، وأبو بكرة، وخليفة بن بدر) انتهى، وقد قَدَّمْتُ ذلك في (الصوم) [خ¦1982]، وذكرتُ هناك أنَّ ابن خَلِّكان نقل في «تاريخه»: (أنَّ تميم بن المعزِّ بن باديس خلَّف مئةَ ابنٍ، وستِّين بنتًا)، وأزيدُ هنا _بل قد ذكرتُه في (الصوم)_ أنَّ في «تاريخه» أيضًا في ترجمة المهلَّب بن أبي صفرة: (أنَّه وقع من صُلبه إلى الأرض ثلاثُ مئةِ ولدٍ)، انتهى، والله أعلم.


[1] في (أ): (الحجام)، ولعلَّ المُثبتَ هو الصَّوابُ.