التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: الإيمان يمان هاهنا ألا إن القسوة وغلظ القلوب

          3302- قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه يحيى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ الحافظُ، شيخُ الحُفَّاظِ، الذي قال فيه أحمدُ ابن حنبل: (لم ترَ عينايَ مثلَ يحيى بن سعيد)، و(إِسْمَاعِيل): هو ابنُ أبي خالدٍ، تَقَدَّمَ مرارًا، و(قَيْسٌ): هو ابنُ أبي حَازمٍ، تَقَدَّمَ كذلك، وكذا تَقَدَّمَ (عُقْبَةُ(1) بْنُ عَمْرٍو أَبُو مَسْعُودٍ) ☺، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الصحيحَ أنَّه لم يشهد بدرًا، وإنَّما كان ينزلها [خ¦55]، وسأذكر التنبيهَ عليه حيث ذكره البُخاريُّ فيهم [خ¦4006]، والبُخاريُّ له سَلَفٌ في ذلك.
          قوله: (أَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ فَقَالَ: «الإِيمَانُ [يَمَانٌ] هَهُنَا»): قال ابن قرقول في قوله ╕(2): «الإيمان يمانٍ» (يريد: الأنصار؛ لأنَّهم من عَرَب اليمن، وقيل: بل قالها وهو بتبوك، ومكَّةُ والمدينةُ حينئذٍ بينه وبين اليمن، فأراد: مكَّة والمدينة؛ لأنَّ الابتداء بالإيمان من مكَّة؛ لمبعثه منها، ثمَّ ظهر وانتشر من المدينة، وقيل: أراد مكَّة؛ لأنَّ مكَّة مِن أرض تهامة، وتهامة من اليمن)، ولابن الأثير نحوه، ونقل النَّوويُّ عن ابن الصلاح في «شرح مسلم»: (بأنَّ المراد: اليمنُ وأهلُ اليمن، على ما هو مفهومٌ مِن إطلاق ذلك؛ إذ مِن ألفاظه: «أتاكم أهل اليمن» [خ¦4390]، والأنصارُ من جملة المخاطَبِين بذلك، فهم إذن غيرُهم، وكذلك قوله صلعم: «جاء أهل اليمن»، وإنَّما جاء حينئذٍ غيرُ الأنصار...) إلى أن قال: (وهكذا كان حال اليمن حينئذٍ في الإيمان، وحال الوافدين منه في حياته صلعم، وفي أعقاب موته؛ كأُوَيس القرنيِّ، وأبي مسلمٍ الخَولَانيِّ، وشبههما...) إلى أن قال: (ثمَّ المراد بذلك: الموجودون منهم حينئذٍ، لا كلُّ أهل اليمن في كلِّ زمانٍ، فإنَّ اللَّفظ لا يقتضيه، هذا هو الحقُّ في ذلك، ونشكر الله على هدايتنا له)، انتهى.
          ونقل شيخنا أقوالًا في ذلك، ثمَّ قال: (وأغربُ منه قولُ الحكيم التِّرْمِذيِّ: إنَّه إشارةٌ إلى أُوَيس القرنيِّ).
          قوله: (أَلَا إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ): قال شيخنا: (زعم السُّهَيليُّ أنَّهما لمسمًّى واحدٍ؛ كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ}[يوسف:86]، والبَثُّ: هو الحُزن)، قال: (ويحتمل _كما قال القرطبيُّ_ أن يقال: إنَّ القسوةَ يراد بها: أنَّ تلك القلوبَ لا تلين ولا تخشعُ لموعظةٍ، وغلظها؛ لعدم فهمها)، انتهى.
          قوله: (حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ): تَقَدَّمَ الكلام على (قرن الشيطان) [خ¦1037]، وقرنه وقرناه: قيل: أمَّته والمتَّبِعون لرأيه من أهل الضَّلال والكفر، وقيل: قوَّته، وانتشاره، وتسلُّطه، وقيل: أراد قرنَي رأسه؛ وهما جانباه، قال النَّوويُّ في «شرح مسلم» في هذا القول: (إنَّه أَولى)، قال: (ومعناه: أنَّه يُدني رأسه إلى الشمس في هذا الوقت؛ ليكون الساجدون للشمس من الكفَّار ساجدين له)، وقال شيخنا: (وقيل: المراد: ما ظهر بالعراق من الفِتَن؛ كالجَمَل، وصِفِّين، والخوارج، فإنَّ أصل ذلك ومنبعه بالعراق ومشرق نجد، وهي مساكن ربيعة ومُضَر(3) إذ ذاك).
          قوله: (فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ): هو بدلٌ من (الفدَّادين)؛ أي: إنَّ القسوة وغِلَظ القلوب في ربيعة ومضر الفدَّادين؛ يعني: بالعراق منهما.


[1] زيد في (ب): (أنَّه).
[2] (الصَّلاة والسَّلام): مثبت من (ب).
[3] في (ب): (الفدادين؛ يعني: بالعراق)، ولعلَّه سبق نظرٍ.