التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: ما مِن أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله

          128- قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): فهو ابن راهويه، وجدُّه اسمه مَخْلَد _بإسكان الخاء، وفتح الميم_ الإمام المشهور، أَبُو يعقوب المروزيُّ، عالم خراسان، عنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وجرير، ومعتمر، وطبقتِهم، وعنه: مَن عدا ابن ماجه، وبقيَّةُ(1) شيخُه، وخلقٌ، من آخرهم السَّرَّاج، أملى «مسنده» من حفظه، تُوُفِّيَ وله سبعٌ وسبعون سنةً في شعبان سنة ░238هـ▒، أخرج له الآخِذون عنه، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، ☼.
          قوله: (وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ): اعلم أنَّ ابن مَنْدَه الحافظ جَمَعَ أردافَ النَّبيِّ صلعم فبلغوا نيِّفًا وثلاثين رديفًا، قاله شيخنا الشَّارح، ولم أقف أنا على هذا التأليف، والذي أستحضر أنَّه عُدَّ مِن أردافه ◙: أسامةُ بن زيد، أردفه ╕ راجعًا من عرفة، ومرَّة أخرى على إكاف [خ¦2987]، والصِّدِّيقُ في الهجرة [خ¦3911]، وعثمان بن عفَّان في قدومه ╕ من بدر، وعليُّ بن أبي طالب في حجَّة الوداع، وعبدُ الله بن جعفر بين يديه وأحدُ(2) ابنَي فاطمة خلفه، وفي رواية: (حملني أنا وغلامين من بني هاشم)، وفي أخرى: (جعلني أمامه وقُثَم خلفه)، وعبدُ الله ابن عبَّاس، وأخوه عبيد الله، وأخوهما الفضل في حجَّة الوداع من مزدلفة إلى منًى [خ¦1543]، والحسن ابن عليٍّ وأخوه الحسين هذا قدَّامه وهذا خلفه، ومعاوية بن أبي سفيان، ومعاذُ بن جبل؛ مرَّة على حمارٍ يُقال له: عُفَير [خ¦2856]، ومرَّة ليس بينه وبينه إلَّا مؤخِّرة الرَّحْل [خ¦2967]، وأبو ذرٍّ الغفاريُّ على حمار، وزيدُ بن حارثة، وثابتُ بن الضَّحَّاك، والشَّرِيدُ بن سويد، وسلمةُ ابن الأكوع، وزيدُ بن سهل أَبُو طلحة الأنصاريُّ [خ¦371]، وسهيلُ بن بيضاء، وعليُّ بن أبي العاصي بن الربيع يوم الفتح، وعبدُ الله بن الزُّبير، وغلام من بني عبد المطَّلب، وأسامة بن عمير، وصفيَّة بنت حُييٍّ أمُّ المؤمنين لمَّا قدم بالشام _كذا فيه_ وإنَّما أراد بها قدومه من خيبر كما في «الصَّحيح» [خ¦2893]، وهي من جهة الشام، وأبو الدرداء، وآمنيـــة بنت أبي الصَّلْت الغفاريِّ، وأبو أُناس(3)، وأبو هريرة، وقيس بن سعد بن عبادة، وخَوَّات بن جبير، وجبريل، فإنَّ في بعض السُّنَّن _[(وهو في «التِّرمذيِّ» في «تفسير سورة سبحان»، وهو في «النَّسائيِّ» في «التفسير»)](4)_: (فما زايلا ظهر البراق حتَّى رجعا)، ورأيت حديثًا معزوًّا إلى «صحيح ابن حبَّان» من حديث حمَّاد بن زيد عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن زِرِّ بن حُبَيش: (أنَّه سأل حذيفةَ: هل صلَّى(5) رسولُ الله صلعم ببيت المقدس حين أُسرِيَ به؟ قال: لا، إلَّا أنَّه أُتِيَ بدابَّة، فحمله عليها جبريلُ، أحدُهما رَدِيفُ صاحبه، [فانطلق(6) معه من ليلته حتَّى أتى بيت المقدس](7)، وأُرِي ما في السَّماوات وما في الأرض، ثمَّ رجعا عودهما على بدئهما، فلم يصلِّ فيه، ولو صلَّى؛ لكانت سُنَّة)، وقال شيخنا الشَّارح في (كتاب اللِّباس) من «شرح هذا الكتاب»: (منهم _يعني من الأرداف_: أولاد العبَّاس، وعبد الله بن جعفر، وأبو هريرة، وقيس بن سعد بن عبادة، وصفيَّة، وأمُّ صُبَيَّة الجُهَنِيَّة)، انتهى، فأولاد العبَّاس ستَّة رجال من أمِّ الفضل، وإنْ أراد أولادَه كلَّهم؛ فعشرة بتمَّام، وقد اختُلِف في صحبته، وله رؤية، فيُحرَّر ما أراد، انتهى.
          وعقبة بن عامر، وقد رأيته(8) في مصنَّفٍ لبعض الشافعيَّة استدركه على الأرداف.
          وقوله فيما تقدَّم: (آمنة بنت أبي الغفاريِّ): هذه لا أعرفها، بل ولا أعرف / في الصحابيَّات مَن اسمها آمنة مشهورة بهذا الاسم، إلَّا أنَّ النَّوويَّ ذكر أنَّ زوج عَبْد الله بن عمر الحائض(9) اسمها: آمنة بنت غفار، وفيهنَّ(10) أميَّة(11) بنت قيس الغفاريَّة ذكرها الحافظ أَبُو موسى المدينيُّ فيهنَّ، وما أدري هل هي هذه أم لا؟ والله أعلم، هذا مجموعُ مَن وقفتُ عليه من الأرداف.
          [تنبيه: وقع في «التِّرمذيِّ» في (سورة المنافقين) في (التفسير) عن زيد بن أرقم: (وأنا رديف رسول الله صلعم)، انتهى، والصَّواب: وأنا ردف عمِّي(12)](13)، [وفي «الشِّفا» لعياض في (فصل: وأمَّا نظافة جسمه): (قال المزنيُّ عن جابر: أردفني النَّبيُّ صلعم والتقمت خاتم النُّبوَّة، فكان ينمُّ عَلَيَّ مسكًا)، انتهى](14).
          قوله: (يَا مُعَاذَُ بْنَُ جَبَلٍ): أمَّا (بن)؛ فمنصوبٌ، وفي «التسهيل» لابن مالك جوازُ رفعه، وأمَّا (معاذ)؛ ففيه النصب والرفع، والله أعلم.
          فائدة: إذا نعتَّ بمضاف؛ فلا يخلو إمَّا أن يكون بـ(ابن)، أو (ابنة)، أو غيرهما، فإنْ كان بأحدهما؛ فيشترط له ثلاثة شروط:
          أحدها: أن يقع(15) أحدُهما بين علَمَينِ، أو كُنيَتينِ، أو لَقَبينِ، أو بين أحدهما مع الآخر؛ نحو: (يا زيد بن عمرو)، أو (يا زيد بن أبي سعيد)، أو (يا زيد بن بطَّة(16))، وكذا لو عكست.
          الثَّاني: أنَّ يكون (ابن) نعتًا لا غير.
          الثَّالث: ألَّا يُفصَل بينه وبين المنادى.
          ففيه ثلاثة أوجه؛ أفصحها: أنْ يُترَك المنادى على ضمِّه، و(ابن) على نصبه؛ استصحابًا لحكمهما(17) الأوَّل، وهذا اختيار المبرِّد.
          الوجه الثَّاني: أن يُفتَح آخِرُ المنادى؛ إتْباعًا لحركة (ابن)، وهو اختيار جمهور البصريِّين، قال ابن كيسان: (وهذا الوجه أكثر في كلام العرب) انتهى.
          وقد اختلف النَّحْويُّون في(18) توجيه [فتح] آخِرِ المنادى وفتح (ابن) في هذا الوجه، وهذا له موضعٌ آخر.
          الوجه الثَّالث: ضمَّة نون (ابن)؛ إتْباعًا لضمَّة المنادى، حكاها الأخفش عن بعض العرب.
          فإنْ لَمْ تجتمع(19) فيه الشروط الثلاثة؛ فلا يكون في المنادى إلَّا الضَّمُّ، ولا في (ابن) إلَّا النصب؛ رجوعًا إلى الأصل، فمثال عدم الشرط الأوَّل: (يا رجلُ ابنَ عمرو)، أو (يا زيدُ ابنَ أخينا)، فلم يقع بين علَمَينِ، ومثال عدم الشرط الثَّاني: أنْ(20) تُعرِب (ابنًا) بدلًا(21)، أو منادًى ثانيًا، أو مفعولًا بفعل(22) مضمر، ومثال عدم الشرط الثَّالث قولك: (يا زيدُ الفاضل ابنَ عمرو)، فقد فصلتَ بـ(الفاضل) بين المنادى وبين (ابن)، فالمنادى في هذه المواضع لا يكون إلا مضمومًا؛ لتخلُّف بعض الشروط، والمسألة طويلة، وفيها خلاف بين النَّحْويِّين، ويكفي هذا منها، والله أعلم، ومَن أراد زيادةً؛ فعليه بالمطوَّلات من كتب النَّحْو.
          وإنْ نعتَّ المنادى المضموم بمضافٍ غير (ابن) أو (ابنة)؛ نحو: (يا زيدُ صاحبَ عمرو)، أو «يا صفيَّةُ عمَّةَ رسول الله(23)» [خ¦2753]؛ فليس فيه إلَّا النصب على الصَّحيح.
          قوله: (فَيَسْتَبْشِرُون): كذا في أصلنا، وفي الهامش: (فَيَسْتَبْشِرُوا)، وهما جائزان، وفي أصلنا الدمشقيِّ: (فَيَسْتَبْشِرُوا)، ليس غير(24).
          قوله: (تَأَثُّمًا): أي: خوفًا من الإثم، ومعنى تأثُّم معاذ(25): أنَّه كان يحفظ علمًا فخاف فواته وذهابه بموته، فخشي أن يكون ممَّن كتم علمًا وممَّن لَمْ يمتثل أمره صلعم في تبليغ سُنَنِه(26)، فيكون آثمًا، فاحتاط(27) وأخبر بهذه؛ مخافةً من الإثم، وعلم أنَّه ╕ لَمْ ينهه عنِ الإخبار بها نهي تحريم، وقال القاضي عياض: (لعلَّ معاذًا لم يفهم من النَّبيِّ صلعم النَّهيَ، لكن كسر عزمه عمَّا عرض له من بُشراهم؛ بدليل حديث أبي هريرة: «مَن لقيتَ يشهد أن لا إله إلَّا الله مُسْتَيْقِنًا بها قلبُه؛ فبشِّره بالجنَّة»)، قال: (أو يكون معاذ بلغه أمرُه ╕ لأبي هريرة، وخاف أن يكتم علمًا عَلِمَه فيأثم، أو يكون حمل النَّهي على إذاعته)، قال النَّوويُّ: (وهذا(28) الوجه ظاهرٌ، وقد اختاره ابن الصَّلاح فقال: «مَنَعَه من التبشير العامِّ؛ خوفًا من أن يسمع ذلك مَن لا خبرة له ولا علم، فيغترَّ ويتَّكل، وأخبر به صلعم على الخصوص من أَمِن عليه(29) الاغترار والاتِّكال من أهل المعرفة، فإنَّه أخبر به معاذًا، فسلك به معاذٌ هذا المسلك، فأخبر به من الخاصَّة من رآه أهلًا لذلك»، قال: «فأمَّا أمره ╕ في حديث أبي هريرة من التبشير؛ فهو من تغيُّر الاجتهاد، وقد كان الاجتهاد جائزًا له واقعًا منه عند المحقِّقين، وله مزيَّة على سائر المجتهدين بأنَّهُ(30) لا يُقَرُّ على الخطأ في اجتهاده).


[1] في (ب): (وثقه).
[2] في (ج): (وأخذ).
[3] كذا في (أ) مضبوطًا، ولم أقف على مَن ذكره في أردافه صلعم، وإنَّما ذكروا أبا إياس، انظر «معرفة أسامي أرداف النبيِّ صلعم» (ص83▒، و«الإصابة» ░4/11، 12▒ ░68، 73▒.
[4] ما بين معقوفين سقط من (ج).
[5] (صلى): سقط من (ج).
[6] في (ب): (انطلق)، وفي (ج): (وانطلق).
[7] ما بين معقوفين تكرر في (ب) سابقًا بعد قوله: (في «النسائي» في «التفسير»).
[8] في: (ج): (رأيت).
[9] (الحائض): ليس في (ب) و(ج).
[10] أي: في الصحابيات، وفي (ب): (ومنهنَّ) بدل: (وفيهنَّ).
[11] في (ج): (آمنة).
[12] في (أ) و(ب): (عثمان)، والمثبت من «مسند البزَّار» ░4305▒، و«المستدرك» ░2/489▒.
[13] ما بين معقوفين ليس في (ج).
[14] ما بين معقوفين ليس في (ب) و(ج)، «الشِّفا» (ص107▒.
[15] زيد في (ج): (بعده).
[16] في (ب): (بطر).
[17] في (أ) و(ب): (بحكمهما)، وفي (ج): (عليهما)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.
[18] (في): ليس في (ب).
[19] في (ب): (يجمع).
[20] زيد في (ب): (يعلم).
[21] (بدلًا): ليس في (ج).
[22] في (ب): (لفعل).
[23] زيد في (ج): (صلعم).
[24] هذه الفقرة ليست في (ج).
[25] (معاذ): ليس في (ج).
[26] في (ب): (لسننه)، وفي (ج): (سنته)، وكذا في «المنهاج شرح مسلم».
[27] في (ج): (فاحتاج).
[28] في (أ) و(ج): (وبهذا)، والمثبت موافق لمصدره.
[29] زيد في (ج): (من).
[30] في (ب): (بأن).