التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان

          قوله: (بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ): أمَّا (يُذكَر)؛ فمبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و(المناولة) معروفةٌ عند أهل الحديث، وهي نوعان: مقرونة بالإجازة، فهذه أعلى أنواع الإجازة، وهي صحيحة، والثانية: التي لَمْ تقترن بالإجازة، وفيها قولان، والأصحُّ بطلانها، فإنْ أردت الوقوف عليها؛ فانظرها من «كتاب ابن الصَّلاح» أو غيره من كتب العلوم في الحديث، والله أعلم.
          ولا أعلم البخاريَّ حدَّث في هذا «الصَّحيح» بالمناولة وإن بوَّب عليها، وقد قال [أبو عمرو محمَّد بن أبي جعفر أحمد بن حمدان الحيريُّ: (كلُّ ما قال البخاريُّ: «قال لي فلانٌ»؛ فهو عرضٌ ومناولة)، انتهى، وإنَّما هي محمولة على السَّماع، وأنَّها كـ(أخبرنا)](1)، وأنَّهم كثيرًا ما يستعملونها في المذاكرة، وأنَّ بعض الناس جعلها من أقسام التعليق، وأنَّ ابن منده جعلها إجازةً، ولا أعلم البخاريَّ حدَّث نفسُه في هذا «الصَّحيح» بالمناولة ولا بالإجازة، بل ولا بالكتابة، إلَّا في مكان واحد حدَّث بالكتابة من محمَّد بن بشَّار(2) بندار، وسيأتي [خ¦6673]، والله أعلم(3).
          قوله: (نَسَخَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ): قال أبو عمرو الدَّانيُّ الحافظ في «المقنِع»: (أكثرُ العلماء على أنَّ عثمان ☺ لمَّا كتب المصحف؛ جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلِّ ناحية من النواحي بواحدة منها، فوجَّه إلى الكوفة إحداهنَّ، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشَّام الثالثة، وأمسك عند نفسه(4) واحدة، وقد قيل: إنَّه جعله سبع نسخ، ووجَّه من ذلك أيضًا نسخةً إلى مكَّة، ونسخة إلى اليمن، ونسخة إلى البحرين، والأوَّل أصحُّ، وعليه الأئمَّة(5)) انتهى، وقد فهِمَ شيخُنا الشَّارح من قوله: (وعليه الأئمَّة) الإجماعَ، فقال: (قال أبو عمرو الدَّاني: «أجمع العلماء»)، فذكر(6) القول(7) الأوَّل، ثُمَّ حكى القول الثَّاني عن أبي حاتم السِّجستانيِّ، ويَحتمل أن يكون أبو عمرو حكى الإجماعَ في غير «المقنع»، فاطَّلع شيخُنا عليه، فيكون صحيحًا، وقد تقدَّم أنَّ شيخنا حكى القولين، وقال قبل ذلك: (إنَّ في غير «البخاريِّ» أنَّ عثمان بعث مصحفًا إلى الشَّام، وآخر إلى الحجاز، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وأبقى عنده مصحفًا)، فهذه خمس، فالحاصل: أنَّ النسخ هل هي أربع، أو خمس، أو سبع؟ أقوال، والله أعلم.
          قوله: (الْآفَاقِ): هو بمدِّ الهمزة؛ وهي النواحي، واحدها (أفْـُق)؛ بإسكان الفاء وضمِّها، والنسبة إليه: (أَُفُـَقيٌّ)؛ بضمِّ الهمزة والفاء، وبفتحهما؛ لغتان.
          تنبيه شارد: [قول الإمام الغزاليِّ(8) وغيره في (كتاب الحجِّ): (الحاجُّ الآفاقيُّ)؛ منكرٌ؛ فإنَّ الجمع إذا(9) لَمْ يُسمَّ به؛ لا يُنسَب إليه، وإنَّما يُنسَب إلى واحده](10).
          قوله: (وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ): المحتجُّ هذا(11) هو الحميديُّ عبد الله بن الزَّبير شيخُه أيضًا.
          قوله: (لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ): كذا لهم، وعند الأصيليِّ: (إلى أمير السريَّة)، وهما بمعنًى متقاربٍ، و(إلى) تأتي بمعنى (مع)، وتأتي بمعنى (اللَّام) أيضًا، وهو ╕ إنَّما كتب الكتاب له ومعه، ولم يرسله إليه، وليست (إلى) ههنا غاية، ويحتمل أنْ تكون على بابها، وذلك لأنَّه أمره ألَّا يفتحه حتَّى يكون بموضع كذا، فصار خطابه إيَّاه في الحكم خطاب الغائب، كما لو كتبه وأرسله إليه وهو في ذلك المكان غائبًا عنه، قاله في «المطالع».
          قوله: (لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ): هو عبد الله بن جحش بن رِئاب، أخو أبي أحمد _واسمه عبدٌ_ وزينبَ أمِّ المؤمنين، وأمِّ حبيبة، وحمنةَ، وأخوهم عبيد الله _بالتصغير_ تنصَّر بأرض الحبشة، وعبد الله يقال له: المُجَدَّع في الله، شهد بدرًا، وقُتِل يوم أُحُد بعد أن قُطِع أنفه وأذنه، قال ابن إسحاق: (كانت هَذِه السَّريَّة أوَّل سريَّة غنم فيها المسلمون)، وكانت في رجب من السَّنة الثانية قبل بدر الكبرى، بعثه ╕ ومعه ثمانية رَهْطٍ من المهاجرين، وقيل: اثنا عشر مهاجرًا، أمَّا الثمانية؛ فهم: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعُكَّاشة بن مِحصَن الأسديُّ، وعتبة بن غزوان، وسعد بن أبي وقَّاص، وعامر بن ربيعة من(12) عنْز بن وائل حليف بني عديٍّ، وواقد بن عبد الله أحد بني تميم حليف لهم، وخالد بن البُكَير، وسهيل بن بيضاء، وكتب له كتابًا، وأمره ألَّا / ينظر فيه حتَّى يسير يومين، ثُمَّ ينظر فيه، فيمضي لما أُمِر به، ولا يستكره من أصحابه أحدًا، فلمَّا سار يومين؛ فتح الكتاب؛ فإِذَا(13) فيه: «إذا نظرت في كتابي؛ فامض حتَّى تنزل نخلةَ بين مكَّة والطَّائف، فترصد بها قريشًا وتعلم لنا أخبارهم»، فقال عبد الله وأصحابه: سمعًا وطاعة... إلى آخر القصَّة، وهي معروفة؛ فانظرها إن شئت من السِّير(14)، و(السريَّة): تقدَّم الكلام عليها في (الإيمان)، وذكرت فيها قولين [خ¦36].


[1] ما بين معقوفين سواد في (أ).
[2] في (ب): (يسار).
[3] زيد في (ب): (انتهى).
[4] في (ب): (لنفسه).
[5] في (ب): (الأمة).
[6] (فذكر): ليس في (ب).
[7] في (ب): (قبل).
[8] (الغزالي): ليس في (ب).
[9] في (ب): (إن).
[10] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (بن الزبير شيخه أيضًا).
[11] في (ب): (بهذا).
[12] في (ب): (بن).
[13] في (ج): (وإذا).
[14] زيد في (ب): (قوله).