شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: أي الجوار أقرب؟

          ░3▒ بَابٌ أيُّ الجِوَارِ أَقْرَبُ
          فيهِ عَائِشَةُ، قَالَتْ(1): (يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا). [خ¦2259]
          لا حجَّة في هذا الحديث لمَنْ أوجب الشُّفعة بالجوار، لأنَّ عائشةَ ♦ إنَّما سألت النَّبيَّ صلعم عمَّن تبدأ به مِنْ جيرانها في الهديَّة، فأخبرها ◙ أنَّه مَنْ قَرُبَ بابه أولى بها مِنْ غيره، فدلَّ بهذا أنَّه أولى بجميع(2) حقوق الجوار وكرم العشرة والبرِّ ممَّن هو أبعد منه بابًا.
          قال ابن المُنْذِرِ: وهذا الحديث يدلُّ أنَّ اسم الجار يقع على غير اللَّزيق، لأنَّه قد يكون له جارًا لزيقًا وبابه مِنْ سكَّةٍ غير سكَّته، وله جارٌ بينه وبين بابه قدر ذراعين وليس بلزيقٍ له، وهو أدناهما بابًا، وقد خرج أبو حنيفةً عن ظاهر هذا الحديث فقال: إنَّ الجار اللَّزيق إذا ترك الشُّفعة، وطلبها الَّذي يليه وليس له حدٌّ إلى الدَّار ولا طريقٌ، ألَّا شفعة له.
          وعوام العلماء يقولون: إذا أوصى الرَّجل لجيرانه بمالٍ(3) أُعطي اللَّزيق وغيره، إلَّا أبا حنيفةَ فإنَّه فارق عوام العلماء وقال: لا يُعطى إلَّا اللَّزيق وحده.
          وكان الأوزاعيُّ يقول: الجار أربعين دارًا مِنْ كلِّ ناحيةٍ، وقاله ابن شِهَابٍ، وقال عليُّ بن أبي طالبٍ: مَنْ سمع النِّداء فهو جارٌ.
          قال المُهَلَّبُ: وإنَّما أمر ◙ بالهديَّة إلى مَنْ قَرُبَ بابه لأنَّه ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخرج منها، فإذا رأى ذلك أحبَّ أن يُشاركه(4) فيه، وأنَّه أسرع إجابةً لجاره عند ما ينوبه مِنْ حاجةٍ إليه في أوقات الغفلة والغِرَّة فلذلك بدأ به على مَنْ بَعُدَ بابه، وإن كانت داره أقرب(5).


[1] في (ز): ((قلت)).
[2] قوله: ((بجميع)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((بمال)) ليس في (ص).
[4] في (ز): ((يشارك)).
[5] زاد في (ز): ((والله أعلم. ╖)).