عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب المكاتب ونجومه في كل سنة نجم
  
              

          ░1▒ (ص) بابُ الْمُكَاتَبِ وَنُجُومِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان أمرِ المكاتَب وأمر نُجومه؛ وهو جمع (نَجْم) وهو في الأصل: الطالع، ثُمَّ سُمِّيَ به الوقت، ومنه قول الشَّافِعِيِّ: أقلُّ التأجيل نجمان؛ أي: شهران، ثُمَّ سُمِّيَ به ما يؤدَّى به مِنَ الوظيفة، يقال: دَينٌ مُنجَّم: جُعِلَ نُجومًا، وقال الرافعيُّ: النجم في الأصل: الوقت، وكانتِ العرب يبنون أمورَهم على طلوع النجم؛ لأنَّهم لا يعرفون الحساب، فيقول أحدُهم: إذا طلع نجمُ الثُّريَّا أدَّيتُ حقَّك، فسُمِّيَتِ الأوقاتُ نجومًا، ثُمَّ سُمِّيَ المؤدَّى في الوقت نَجمًا، وقيل: أصلُ هذا مِن نُجوم الأنواء؛ لأنَّهم كانوا لا يعرفون الحِساب، وإِنَّما يحفظون أوقاتَ السَّنة بالأنواء.
          قوله: (فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ) يحتمل وجهين:
          أحدهما: أن يكون (نجمٌ) مرفوعًا بالابتداء، وخبرُه هو قولُه مقدَّمًا: (فِي كُلِّ سَنَةٍ) وتكونُ الجملةُ في محلِّ الرفعِ على الخبريَّة.
          والوجه الثاني: يأتي على رواية النَّسَفِيِّ: أنَّ لفظة (نجم) ساقطة، وهو أن يكون قولُه: (فِي كُلِّ سَنَةٍ) نصبًا على الحال مِن (نُجُومِهِ).
          وقال بعضُهم: عُرِفَ مِنَ الترجمة اشتراطُ التأجيل في الكتابة، وهو قول الشَّافِعِيِّ؛ بناءً على أنَّ «الكتابة» مُشتقَّةٌ مِنَ الضمِّ؛ وهو [ضمُّ] بعضِ النجوم إلى بعض، وأقلُّ ما يحصل به الضمُّ نجمان، ثُمَّ ذكر بعد أسطرٍ: ولم يُرِدِ المصنِّف _أي: البُخَاريُّ_ بقوله: «في كلِّ سَنةٍ نَجم» أنَّ ذلك شرطٌ فيه، فإنَّ العلماء اتَّفقوا على أنَّهُ لو وقع النجمُ بالأشهر جاز، وفيه ما فيهِ.
          (ص) قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النور:33].
          (ش) هذه الآية الكريمةُ في (سورة النور)، وقبل قولِه: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ}: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ}، وبعده: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء} إلى قوله: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النور:33] ولمَّا ذكر الله تعالى تزويجَ الحرائر والإماءِ والأحرار والعبيد؛ ذكرَ حالَ مَن يعجِز عن ذلك، ثُمَّ قال: ({وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ}) أي: يطلبون، مِنَ البُغْيَة؛ وهو الطلب، قال الزَّمَخْشَريُّ: {والذين يبتغون} مرفوعٌ على الابتداء، أو منصوبٌ بفعلٍ مضمر يفسِّره: {فكاتبوهم} كقولك: زيدًا فاضرِبْه، ودخلت الفاءُ لتضمُّن معنى الشرط.
          قوله: ({الْكِتَابَ} منصوبٌ؛ لأنَّه مفعولُ {يبتغون}، (الكتابُ) و(المكاتبة) كـ(العِتاب والمعاتبة)، وهي مُفاعَلة بين اثنين؛ وهما السيِّد وعبدُه، يُقال: كاتَبَ يُكاتِبُ مكاتَبةً وكِتابًا؛ كما يقال: قاتَلَ يُقاتِل مُقاتَلةً وقِتالًا، ومعنى {يبتغون الكتاب} أي: المكاتَبة.
          قوله: ({فَكَاتِبُوهُمْ}) خبرُ المبتدأ: {الذين يبتغون}، ثُمَّ إنَّ هذا الأمر عند الجمهور على الندب، وقال داود: على الوجوب إذا سأله العبدُ أن يُكاتِبَه، ورويَ ذلك عن عِكْرِمَة أيضًا، وقال عطاءٌ: يجب عليه إن علِمَ أنَّ له مالًا، / وفي «تفسير النَّسَفِيِّ»: وقيل: هو أمر إيجابٍ، فُرِضَ على الرجل أن يكاتِبَ عبدَه الذي قد علِمَ منه خيرًا إذا سأله ذلك بقيمتِه وأكثر، وهو قول داود ومُحَمَّد بن جَرير مِنَ الفقهاء، وهي رواية العَوفيِّ عن ابن عَبَّاس ☻، واحتجَّ مَن نصر هذا القولَ بما روى قتادةُ: أنَّ سِيرِين سأل أنسَ بن مالك ☺ أن يكاتبه، فلكَّأ عليه، فشكاه إلى عمر ☺ ، فعلاه بالدِّرَّة، وأمره بالكِتابة، على ما يجيء، واحتجُّوا أيضًا بأنَّ هذه الآية نزلت في غُلامٍ لحُوَيطِب بن عبد العُزَّى يُقال له: صَبِيحٌ، سأل مولاه أن يُكاتِبَه فأبى عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فكاتَبَه حُوَيطِب على مئة دينار، ووهب له منها عشرين دينارًا، فأدَّاها، وقُتِلَ يوم حُنَين في الحرب انتهى.
          قُلْت: (سِيرِين) بكسر السين المُهْمَلة، مولى أنسِ بن مالك، وهو مِن سَبْيِ عَينِ التَّمْر الذين أسَرَهم خالدُ بن الوليد ☺ .
          قوله: (فلَكَّأ عليه) أي: توقَّف وتباطأ، وكذلك (تلكَّأ).
          قوله: (فعَلاه بالدِّرَّة) وهيَ بكسر الدال وتشديد الراء، وهيَ الآلة التي يُضرَب بها.
          وقصَّة سِيرِين رواها ابن سَعْدٍ فقال: أخبرنا مُحَمَّد بن حُمَيد العَبْدِيُّ عن مَعمَر عن قتادةَ قال: سأل سِيرِينُ أبو مُحَمَّدٍ أنسَ بن مالك الكتابةَ، فأبى أنسٌ، فرفع عُمَرُ بن الخَطَّاب عليه الدِّرَّة، وقال: كاتِبْه، فكاتَبَه، وقال: أخبرنا مَعْمَر بن عيسى: حدَّثنا مُحَمَّد بن عَمْرٍو: سمعتُ مُحَمَّد بن سِيرِين: كاتَبَ أنسٌ أبي على أربعين ألفِ درهم.
          و(حُوَيطِب بن عبد العُزَّى) القرشيُّ العامريُّ، أبو مُحَمَّد، وقيل: أبو الإصبع، مِنَ المُؤلَّفة قلوبُهم، شهِدَ حنينًا ثُمَّ حُمِدَ إسلامُه، وعُمِّر مئةً وعشرين سنةً، وله روايةُ، و(صَبِيحٌ) غلامُه بفتح الصاد المُهْمَلة وكسرِ الباء المُوَحَّدة، وقصَّته رواها سَلَمة بن الفضلِ عن مُحَمَّد بن إسحاق، عن خالهِ عبدِ الله بن صَبِيح، عن أبيه قال: كنتُ مملوكًا لحُوَيطب، فسألتُه، فنزلت: {والَّذِينَ يَبْتَغُونَ} الآية.
          وحجَّة الجمهور في هذا أنَّ الإجماع منعقِدٌ على أنَّ السيِّد لا يُجبَر على بيعِ عبدِه وإن ضوعِفَ له في الثمن، وإذا كان كذلك فالأَحرى والأَولى ألَّا يخرج عن ملكِه بغير عِوَض، لا يقال: إِنَّها طريقُ العتق، والشارع مُتشوِّفٌ إليه، فخالف البيع؛ لأنَّا نقول: التشوُّف إِنَّما هو في محلٍّ مخصوص، وأيضًا الكسبُ له، فكأنَّه قال: أعتِقني مجَّانًا، وأَمَّا الآثار التي دلَّت على الوجوب؛ فسيأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
          قوله: ({إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}) اختلفوا في المراد بـ(الخير) فقال الثَّوْريُّ: هو القوَّة على الاحتراف والكسب لأداء ما كوتِبوا عليه، وعنِ الليث مثلُه، وكرِهَ ابن عمر كتابةَ مَن لا حرفةَ له، وكذا رويَ عن سلمان، وقال الحسنُ البَصْريُّ: الصِّدق والأمانة والوفاء، وقال بعضُهم: الصلاح وإقامة الصلاة، وقال مجاهد: المال، وكذا نُقِلَ عن عطاء وأبي رَزين، وكذلك رويَ عن ابن عَبَّاس، وفي «المصنَّف»: وكتب عمرُ إلى عُمَيْر بن سعد: أنَّهُ مَن قبلَكَ مِنَ المسلمين أن يكاتبوا أرقَّاءهم على مسألة الناس، وقال ابن حزم: قالت طائفة: المال، فنظرنا في ذلك، فوجدنا موضِعَ كلامِ العرب الذي نزلَ به القرآنُ أنَّهُ لو أراد ╡ المال؛ لقال: إن علمتم لهم خيرًا، أو: عندهم، أو: معهم خيرًا؛ لأنَّ بهذه الحروف يُضافُ المالُ إلى مَن هو له في لغة العرب، ولا يُقال أصلًا: في فلان مالٌ، فعلمنا أنَّهُ تعالى لم يُرِد به المال، فصحَّ أنَّهُ الدِّين، ورويَ عن عليٍّ ☺ أنَّهُ سئل: أَأُكاتِبُ وليس لي مالٌ؟ فقال: نعم، فصحَّ عنده أنَّ الخير عنده لم يكن المال، وقال الطَّحَاويُّ: من قال: إنَّهُ المال؛ لا يصحُّ عندنا؛ لأنَّ العبد نفسُه مالٌ لمولاه، فكيف يكون له مال؟! والمعنى عندنا: إن علمتُم فيهم الدِّينَ والصدق، وعلمتُم أنَّهم يُعامِلونكم على أنَّهم مُتعبَّدون بالوفاء لكم بما عليهم مِنَ الكتابة والصِّدق في المعاملة؛ فكاتبوهم.
          قوله: ({وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ}) أي: أعطوهم مِنَ المال الذي أعطاكم الله تعالى، اختُلِفَ في المخاطَبين مَن هم؟ فقيل: الأغنياءُ الذين تَجبُ عليهم الزكاة، أُمِروا أن يُعطُوا المكاتَبين، وقيل: السادة أُمِروا بإعانتهم، وهو أن يحطَّ عنهم مِن مال الكتابة شيئًا، واختُلِفَ في الإيتاء؛ / هل هو واجب؟ فذهب الشَّافِعِيُّ إلى أنَّهُ واجب، وقال أبو حنيفة ومالك: ليس بواجب، والأمرُ فيه على الندب، والحطُّ أن يضعَ الرجلُ عن عبدِه مِن مال كتابته شيئًا مُسمًّى يستعين به على الخلاص، واختلفوا فيه أيضًا: هل هو مقدارٌ معين؟ فقال الشَّافِعِيُّ: هو غير مُقدَّر، ولكنه واجب، كما ذكرنا، وهو المنقولُ عن سعيد بن حُبَير، وقال أحمد: هو رُبع المال، وهو المرويُّ أيضًا عن عليِّ بن أبي طالب ☺ ، وعن ابن مسعود: الثُّلث، وقال الزَّمَخْشَريُّ: {وآتوهم} أمر المسلمين على وجه الوجوبِ بإعانةِ المكاتَبين وإعطائِهم سهمَهم الذي جَعَل الله لهم مِن بيتِ المال _كقوله: {وفي الرقاب}_ عند أبي حَنيفة وأصحابه، وقيل: معنى {آتوهم} أسلِفوهم، وقيل: أنفِقوا عليهم بعد أن يؤدُّوا وَيُعتقوا، وهذا كلُّه مُستحبٌّ، وقال ابن بَطَّالٍ: قولُ الجمهور أولى؛ لأنَّه صلعم لم يأمر مواليَ بَريرةَ بإعطائها شيئًا، وقد كُوتِبَت وبِيعَت بعد الكِتابة، ولو كان الإيتاءُ واجبًا؛ لكان مُقدَّرًا كسائر الواجبات، حَتَّى إذا امتنَعَ السيِّد من جعله ادَّعاه عند الحاكم عليه، فأَمَّا دعوى المجهولِ فلا يُحكَم بها، ولو كان الإيتاءُ واجبًا وهو غيرُ مُقدَّر؛ لكان الواجبُ للمولى على المكاتب هو الباقيَ بعد الحطِّ، فأدَّى ذلك إلى جهل مبلغِ الكتابة، وذلك لا يجوز.
          (ص) وَقَالَ رَوْحٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالًا أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا.
          (ش) (رَوْحٌ) هو ابن عُبادة، و(ابْنُ جُرَيْجٍ) هو عبدُ المَلِكِ بنُ عبد العزيز بن جُرَيْج المَكِّيُّ، و(عَطَاءٌ) هو ابن أبي رَبَاح.
          وهذا التعليق رواه ابنُ حزم مِن طريق إسماعيل بن إسحاق: حدَّثنا عليُّ بن عبد الله قال: حدَّثنا رَوْحُ بن عُبَادَة: حدَّثنا ابن جُرَيْج به.
          (ص) وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ ☺ ، فَقَالَ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى، فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، وَيَتْلُو عُمَرُ ☺ : {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}[النور:33] فَكَاتَبَهُ.
          (ش) هكذا وقع (قَالَ عَمْرُو) بدون الضمير المنصوب بعد (قال) في النُّسَخ المرويَّة عن الفِرَبْرِيِّ، وظاهرُه يدلُّ على أنَّ هذا الأثر مِن عَمْرو بن دينار عن عطاء، قيل: ليس كذلك؛ لأنَّ النُّسَخة المعتَمَد عليها مِن رواية النَّسَفِيِّ عن البُخَاريّ هكذا: <وقاله عَمْرو بن دينار> بالضمير المنصوب بعد (قال) أي: قال القولَ المذكورَ عَمْرُو بن دينار، وفاعلُ (قُلْتُ) هو ابن جُرَيْج، لا عَمْرو بن دينار، حاصلُه: أنَّ عَمْرو بن دينار قال مثلَ ما قال عطاءٌ في سؤالِ ابن جُرَيْج عنه، لا أنَّ عَمرًا سأل ذلك عن عطاءٍ مثلَ ما سأل ابن جُرَيْج.
          قوله: (تَأْثُرُهُ) أي: ترويه (عَنْ أَحَدٍ؟) مِن أثَرَ يأثُرُ أثْرًا، يقال: أثَرتُ الحديثَ آثُرُه؛ إذا ذكرتَهُ عن غيرك، ومنه قيل: حديثٌ مأثور؛ أي: ينقله خَلَفٌ عن سَلَف.
          قوله: (قَالَ: لَا) أي: لا آثُرُه عن أحد.
          قوله: (ثُمَّ أَخْبَرَنِي) القائلُ بهذا هو ابن جُرَيْج، والمخبِر هو عطاء، كذا وقع مُصرَّحًا في رواية إسماعيل القاضي في «أحكام القرآن» ولفظه: قال ابن جُرَيْج: وأخبرني عطاءٌ: أنَّ موسى بن أنس أخبره: أنَّ سِيرِين... وهو أبو مُحَمَّد بنُ سِيرِين، وقد ذكرنا عن قريبٍ، وظاهره الإرسال؛ لأنَّ موسى لم يُدرِك وقتَ سؤال سِيرِين مِن أنسٍ الكتابة، وقد رواه عبد الرزَّاق والطَّبَريُّ من وجهٍ آخَرَ متَّصِل مِن طريق سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة عن أنس ☺ قال: أرادني سِيرِين على المكاتَبة فأبيتُ، فأتى عُمَرَ بن الخَطَّاب... فذكر نحوَه.
          قوله: (فَأَبَى) أي: امتنع مِن فعل الكتابة.
          قوله: (فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ) وفي رواية إسماعيلَ بنِ إسحاق: (فاستعداه عليه)، وزاد في آخِرِ القصَّة: (فكاتبه أنسٌ)، وقد ذكرنا عنِ ابنِ سعد: أنَّهُ كاتَبَه على أربعين ألف درهمٍ.
          فَإِنْ قُلْتَ: روى البَيْهَقيُّ من طريق أنس بن سِيرِين عن أبيه قال: كاتبني أنسٌ على عشرين ألف درهم.
          قُلْت: أُجيب بأنَّهما إن كانا محفوظَينِ يُحمَل أحدُهما على الوزنِ والآخَر على العدد.
          فَإِنْ قُلْتَ: ضربُ عمرَ أنسًا _☻_ يدلُّ على أنَّ عمر كان يرى بوجوب الكتابة.
          قُلْت: قال ابنُ القصَّار: إِنَّما علا عمرُ أنسًا بالدِّرَّة على وجهِ النُّصح لأنس، / ولو كانت الكتابةُ لزِمَت أنسًا؛ ما أبى، وإِنَّما نَدَبه عمرُ إلى الأفضل انتهى، وفيه نظرٌ لا يخفى؛ لأنَّ الضرب غيرُ موجَّه على ترك المندوب، خصوصًا مِن مثل عمر لمثلِ أنس ☻، ولا سيَّما تلا عمر قولَه تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ} الآية[النور:33] عند ضربه إيَّاه.