عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن
  
              

          5472م# (ص) حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ: حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ: أَمَرَنِي ابْنُ سِيرِينَ أَنْ أَسْأَلَ الْحَسَنَ: مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ؟ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: مِنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ.
          (ش) مطابَقَتُه للتَّرجَمَة ظاهِرَةٌ.
          و(عَبْدُ اللهِِ ابْنُ أَبِي الأَسْوَد) هو عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الأسود، واسم أبي الأسود حُمَيدٌ، و(قُرَيْشٌ) مصغَّر (القرش) بالقاف والراء والشين المُعْجَمة (ابنُ أَنَسٍ) بفتح الهمزة والنون، البَصْريُّ، مات سنة تسعٍ ومئتين، وليس له في «البُخَاريِّ» سوى هذا الموضع، و(حَبِيبٌ) بفتح الحاء المُهْمَلة، و(سَمُرَة بْنُ جُنْدَُبٍ بِضَمِّ الجيم وسكون النون وفتح الدال المُهْمَلة وضمِّها، الفزاريُّ _بالفاء وتخفيف الزاي وبالراء_ الكوفيُّ الصحابيُّ.
          والحديث أخرجه التِّرْمِذيُّ في (الصلاة) عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى عن قريش بن أنس به، وأخرجه النَّسائيُّ في (العقيقة) عن هارون بن عبد الله عن قريشٍ به، وقد توقَّف البَرْدِيجِيُّ في صحَّة هذا الحديث مِن أجل اختلاط قريشٍ، وزعم أنَّهُ تفرَّد به، وأنَّه وهمٌ، وكأنَّه تبع في ذلك ما حكاه الأثرم عن أحمد: أنَّهُ ضعَّف حديث قريشٍ هذا، وقال: ما أراه بشيءٍ.
          قُلْت: قريشٌ تغيَّر سنة ثلاثٍ ومئتين، واستمرَّ على ذلك ستَّ سنين، ومات سنة تسعٍ ومئتين، ولقريشٍ متابعٌ، روى الطَّبَرَانِيُّ في «الأوسط» مِن أنَّ أبا حمزة رواه عن الحسن كرواية قريشٍ سواء، ولعلَّ سماع شيخ البُخَاريِّ عن قريشٍ كان قبل الاختلاط، وقال ابن حزمٍ: لا يصحُّ للحسن سماعٌ من سَمُرة إلَّا حديث العقيقة وحده، ورُدَّ عليه بما رواه البُخَاريُّ في «تاريخه الكبير»: قال لي عليُّ بن المدينيِّ: سماع الحسن مِن سَمُرة صحيحٌ.
          قوله: (أَمَرَنِي ابْنُ سِيرِينُ) / أي: مُحَمَّد بن سِيرِين (أَنْ أَسْأَلَ) أي: بأن أسأل (الحَسَن) البَصْريَّ.
          قوله: (فَسَأَلْتُهُ) أي: قال ابن سيرين: فسألت الحسن، فقال: سمعته (مِن سَمُرَةَ بنِ جُنْدَُب).
          فَإِنْ قُلْتَ: لم يبيِّن البُخَاريُّ حديث العقيقة.
          قُلْت: كأنَّه اكتفى عن إيراده بشهرته، وقد أخرجه أصحاب «السُّنن» مِن رواية قتادة عن الحسن، عن سَمُرَة، عن النَّبِيِّ صلعم قال: «الغلام مرتهن بعقيقته، تُذبَح عنه يوم السابع، ويُحلَق رأسه ويُسمَّى» قال التِّرْمِذيُّ: حسنٌ صحيحٌ، قال: والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبُّون أن يُذبَح عن الغلام العقيقة يوم السابع، فإن لم يتهيَّأ يوم السابع فيوم الرابع عشر، فإن لم يتهيَّأ عقَّ عنه يوم إحدى وعشرين.
          قوله: (مُرْتَهَنٌ) بفتح التاء، معناه: رهنٌ بعقيقتِه؛ يعني: العقيقة لازمةٌ له لا بدَّ منها، فشبَّهه بلزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهِن، وقال الخَطَّابيُّ: تكلَّم الناس في هذا، وأجودُ ما قيل فيه ما ذهب إليه أحْمَد ابن حَنْبَل ☼ قال: هذا في الشفاعة؛ يريد: أنَّهُ إذا لم يُعقَّ عنه فمات طفلًا؛ لم يشفع في والديه، وقيل: مرهونٌ بأذَى شَعرِه، ويروى: «كلُّ غلامٍ رهينةٌ بعقيقته»، (الرهينة) الرهن، والهاء للمبالغة كالشتيمة والشتم، ثُمَّ استُعْمِلا بمعنى المرهون، يقال: هو رهنٌ بكذا، ورهينةٌ بكذا.
          قوله: (يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ) على صيغة المجهول، وقد احتجَّ به مَن قال: إنَّ العقيقة مؤقَّتةٌ باليوم السابع، وأنَّ من ذبح قبله لم يقع الموقع، وأنَّها تفوت بعده، وهذا قول مالكٍ، وعند الحنابلة في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايتان، وعند الشَّافِعِيَّة أنَّ ذِكر السابع للاختيار، لا للتعيين، ونقل الرافعيُّ أنَّهُ يدخل وقتها بالولادة، قال: وذِكرُ السابع في الخبر بمعنى ألَّا تُؤخَر عنه اختيارًا، ثُمَّ قال: والاختيار ألَّا يُؤخَّر عن البلوغ، فإن أُخِّرت إلى البلوغ سقطت عمَّن كان يريد أن يعقَّ عنه، لكن إن أراد هو أن يعقَّ عن نفسه فعل.
          وقوله: (يَوْمَ السَّابِعِ) أي: مِن يوم الولادة، وهل يُحسَب يوم الولادة؟ وقال ابن عبد البرِّ: نصَّ مالكٌ على أنَّ أَوَّل السبعة اليوم الذي يلي يوم الولادة إلَّا إن وُلِدَ قبل طلوع الفجر، وكذا نقله البويطيُّ عن الشَّافِعِيِّ.
          قوله: (وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ) على صيغة المجهول؛ أي: يُحلَق جميع رأسه لثبوت النهي عن القزع، وحكى الماورديُّ كراهة حلق رأس الجارية، وعن بعض الحنابلة يُحلَق.
          قُلْت: هذا أولى؛ لأنَّ في حديث سلمان: «أميطوا عنه الأذى» ومِن جملة الأذى شعر رأسه الملوَّث مِن البطن، وبعمومه يتناول الذكر والأنثى، وروى التِّرْمِذيُّ مِن حديث عليِّ بن أبي طالبٍ ☺ قال: عقَّ رسولُ الله صلعم عن الحسن بشاةٍ، وقال: «يا فاطمة؛ احلقي رأسَه، وتصدَّقي بزنة شِعره فضَّةً» فوزنَّاه فكان وزنُه درهمًا أو بعض درهمٍ، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
          قوله: (وَيُسَمَّى) على صيغة المجهول أيضًا، وإن لم يستهلَّ لم يُسمَّ، وقال مُحَمَّد بن سِيرِين وقتادة والأوزاعيُّ: إذا وُلِد وقد تمَّ خلقه يُسمَّى في الوقت إن شاؤوا، وقال المُهَلَّب: وتسمية المولود حين يُولَد وبعد ذلك بليلةٍ وليلتين وما شاؤوا إذا لم ينوِ الأب العقيقة عند يوم سابعِه جائزٌ، وإن أراد أن ينسك عنه فالسُّنَّة أن يُؤخِّر تسميتَه إلى يوم النُّسك؛ وهو السابع.