عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه وتحنيكه
  
              

          ░1▒ (ص) بَابُ تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ، وَتَحْنِيكِهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان تسمية المولود غداة يُولَد لمن لم يُعقَّ عنه، كذا في رواية أبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ، وسقطت لفظة: (عَنْ) عند الجمهور، وفي رواية النَّسَفِيِّ: <وإن لم يعقِّ عنه> بدل: (لمن لم يعق عنه) وأراد بـ(الغداة) الوقت؛ لأنَّها تُطلَق ويراد بها مُطلَق الوقت ويُفهَم مِن قوله: (لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ) أنَّهُ يُسمَّى المولود وقت الولادة إن لم تحصل العقيقة، وإن حصلت يُسمَّى في اليوم السابع، ويُفهَم مِن رواية النَّسَفِيِّ [أنَّهُ يُسمَّى وقت الولادة سواءٌ حصلت العقيقة أو لم تحصل، والأَوَّل أولى؛ لأنَّ الأخبار وردت / في التسمية يوم السابع؛ لما يجيء إن شاء الله تعالى، ويُفهَم مِن رواية النَّسَفِيِّ] أيضًا أنَّ العقيقة غير واجبةٍ.
          وقد اختلف العلماء في هذا الفصل، فقال مالكٌ والشَّافِعِيُّ وأحمد وأبو ثورٍ وإسحاق: سنَّةٌ لا ينبغي تركها لمن قدر عليها، وقال أحمد: هو أحبُّ إليَّ مِن التصدُّق بثمنها على المساكين، وقال مَرَّةً: إنَّه مِنَ الأمر الذي لم يزل عليه أمر الناس عندنا، وقال مالكٌ: هي مِن الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم، وقال يحيى بن سعيدٍ: أدركتُ الناس وما يدعونها عن الغلام والجارية، وقال ابن المنذر: وممَّن كان يراها ابن عَبَّاسٍ وابن عمر وعائشة ♥ ، وروي عن فاطمة ♦، وروي عن الحسن وأهل الظاهر: أنَّها واجبةٌ، وتأوَّلوا قوله صلعم : «مع الغلام عقيقةٌ» على الوجوب، وقال ابن حزمٍ: هي فرضٌ واجبٌ يُجبَر الإنسان عليها إذا فضل له عن قوته مقدارها، وفي «شرح السنَّة»: وأوجبها الحسن قال: يجب عن الغلام يوم سابعه فإن لم يعقَّ عنه عقَّ عن نفسه، وقال ابن التين: قال أبو وائلٍ: هي سنَّةٌ في الذكور دون الإناث، وكذا ذكره في «المصنَّف» عن مُحَمَّدٍ والحسن، وقال أبو حنيفة: ليست بسُنَّةٍ، وقال مُحَمَّد بن الحسن: هي تطوُّعٌ، كان الناس يفعلونها ثُمَّ نُسِخَت بالأضحى، ونقل صاحب «التوضيح» عن أبي حنيفة والكوفيِّين: أنَّها بدعةٌ، وكذلك قال بعضهم في «شرحه» والذي نُقِل عنه أنَّها بدعةٌ أبو حنيفة.
          قُلْت: هذا افتراءٌ فلا يجوز نسبته إلى أبي حنيفة وحاشاه أن يقول مثل هذا، وإِنَّما قال: ليست بسنَّةٍ، فمراده إمَّا ليست بسنَّةٍ ثابتةٍ، وإمَّا ليست بسنَّةٍ مؤكَّدةٍ، وروى عبد الرَّزَّاق عن داود بن قيسٍ قال: سمعت عَمْرو بن شُعَيْبٍ عن أبيه عن جدِّه: سئل رسول الله صلعم عن العقيقة فقال: «لا أحبُّ العقوق» قالوا: يا رسول الله؛ ينسك أحدنا عمَّن يُولَد له؟ فقال: «مَن أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاةٌ»، فهذا يدلُّ على الاستحباب.
          قوله: (وَتَحْنِيكِهِ) بالجرِّ عطفٌ على قوله: (تسمية المولود) أي: وفي بيان تحنيك المولود، وهو مضغ الشيء ووضعه في فم الصبيِّ ودَلْكِ حَنَكِه به، يقال: حنَّكتُ الصبيَّ إذا مضغتَ تمرًا أو غيره ثُمَّ دلكتَه بحنكه، والأَولى فيه التمر، فإن لم يتيسَّر فالرطب، وإلَّا فشيءٌ حلوٌ، وعسل النحل أَولى مِن غيره، ثُمَّ ما لم تمسَّه نارٌ.